الاثنين، 29 نوفمبر 2010

خوف العصافير الصغيرة

يحيى سلام المنذري

وكأن المعلم طلب منهم الاستعداد للحرب. وكأنه طلب منهم الابتعاد عن النوم. كما –وكأنه- طلب منهم أن يتذكروا الأحزمة الجلدية ذات اللون الأسود وأن يتذكروه شخصيا بعد سنوات طويلة. وبعد أن يعلن لهم بكل صراخه بأن الغد هو مخصص لتسميع جدول الضرب تصبح أمنيتهم الوحيدة هي أن لا يأتي الغد. وبعدها تطير العصافير إلى أعشاشها منفطرة القلوب.

في اليوم التالي جاء المعلم بابتسامة صفراء لأنه بعد قليل سيبدأ بالاستمتاع بمجموعة من العصافير حبست في قفص إسمنتي. سينتف ريشهم. سيبتهج، وستزداد شهرته وشهرة حزامه الأسود وبث رعبه بين الطلبة.

قال "جلوس"، فجلسوا.
قال "وقوف"، فوقفوا.
قال "جلوس وقوف"، جلسوا، فوقفوا، فجلسوا. وقد كرر هذا الطلب عدة مرات.

كان يبتهج بهذه اللعبة اليومية، لعبة الجلوس والوقوف، بعضهم أحبها وبعضهم عرف بأنها ليست إلا تمهيدا لمسرحية الجَلد، يشعر المعلم بأنه المسيطر على كل شيء، ويمسك كل شيء، فهو لاعب منتصر وبذلك تحولت العصافير الصغيرة إلى دمى، أخذ يلعب بها حتى يحين موعد تكسيرها. ما الذي يريد فعله؟ هل يريد في بداية الصباح أن يصطادهم بسنارة المرح؟ لكنه ما لبث أن زأر وقال “ يا بهائم.. حفظتم جدول الضرب؟.. كما قلت.. الذي لم يحفظ سيأكله هذا الحزام”. ثم كوّر كف يده وضرب بها الطاولة. وكان الصمت والخوف يعبثان بقلوب العصافير الصغيرة. لم يجرؤ أحد أن يتفوه بحرف واحد حتى لو حفظ الجدول مئة مرة. عدا عصفور واحد كان يجلس في آخر الصف فاجأ الجميع بضحكة غريبة. اندهش لها الأسد وصوب له نظرات حادة كالسكين حتى قطعت ضحكته البريئة.

بدأت العصافير المرتعشة تتابع يدي الأسد ذواتي المخالب والعروق النافرة، يدان تتحركان وتمسكان المعدن الذهبي للحزام الأسود. تفتحان المعدن الذي حرر الحزام من وسطه وتحول إلى أفعى، لف رأسها بين كف يده اليمنى. العيون الصغيرة ذبلت وقلوبها تحاول الطيران إلى بيوتها. مشى ببطء الى آخر القفص، وبشكل مباغت وجّه ضربة قاسية إلى العصفور الذي كسر خوفه بالضحك. صرخ بحرقة، أما بقية العصافير فبلعت صراخها وطارت قلوبها أمامها. بعد ذلك سحبه من دشداشته ورمى به خارج الباب. تكور مثل حشرة مهروسة لا تستطيع حتى أن تئن. بعدها لمحه الجميع يمشي مطأطىء الرأس والجدران تتقاذف بكاءه. ازادد خوفهم مع كل دقيقة تزيد في أعمارهم.

انتهت لعبة المرح وازداد خوفهم. ازداد وما زال يزداد حتى هذا اليوم.
كاد الغضب أن يخرج مارده من داخل القفص، لكن ولحسن الحظ تم إخفاؤه. كانوا بحاجة إلى التنفس لكنهم لم يستطيعوا.. كانوا بحاجة إلى شيء لينسوا ولو للحظة هذا الخوف المنتشر هنا الذي لا يعرفون متى سيبتعد عنهم ويجعلهم يهنؤون براحة المعرفة.



(من مجموعة "الطيور الزجاجية"-2010- الصادرة حديثا عن دار نينوى بدمشق)


الاثنين، 13 سبتمبر 2010

دمية

يحيى سلام المنذري
(من قصص (رماد اللوحة) 1999 – دار المدى –دمشق)

تقذفه الغرفة كي يغطس في لهيب الشمس الحارق ويمشي الى عمله. بعد ذلك تتمتع هي باللعب مع حشرات ملونة، تحب الغرفة أن تلعب به كدمية، تخلع له ملابسه، تحممه بحرارة الشمس، توخزه بالبرد، ترقده على سرير متآكل كطفل، تمشي الحشرات فوق جسده، تفزعه بقطط تخرجها له فجأة من تحت السرير، تلقمه قصصا لا معنى لها، تزجه في ليل كئيب مؤرق، تتمتع بكل ذلك، هو دميتها الوحيدة.

* ما هذا.. الى متى تظل دمية في يد هذه الغرفة التعيسة..؟
*دعني.. دعوني..أريد فقط أن أتحول الى فأس لمدة دقيقة واحدة.. دقيقة فقط.. ..دقيـ يـ يـ قة.

الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

رماد اللوحة

يحيى سلام المنذري
(هذه القصة نشرت ضمن كتاب "رماد اللوحة" والمنشور في عام 1999 عن دار المدى بدمشق.)

بدايتك فجر وماء
يأتي الفجر..وأنت يا سلمان لم تنم بعد، خواطر غامضة تراودك... تتشكل بسرعة في أحداث متوالية غير مترابطة، عن الليل والفجر والبيوت والطفولة وعن أشياء أخرى كثيرة. الفجر يذكرك بالماء البارد.. والماء يذكرك بالسوط، عندما كنت طفلا كان أبوك يرشك بالماء البارد في وجهك قبل أن يحل الفجر بدقائق.. يصرخ:(الصلاة خير من النوم)، صراخ حاد وماء بارد، وينتصر الماء، يتحول إلى غيمة تداعب وجهك الصغير، المؤذن لم يؤذن بعد والليل ما زال بظلامه الكثيف. تقوم من الفراش متثاقلاً.. تشم رائحة خبز (الرخال) الممزوجة برائحة الخشب المحروق.. فتعرف أن أمك تخبز في ذلك الوقت وأنها تدعك عينيها بلحافها بسبب خيوط الدخان التي تتسلل كي تزعجهما بالحرقة. يزجرك أبوك كي تتوضأ لصلاة الفجر من ماء (الفلج) الذي يبعد عن بيتكم مسافة عشرين شجرة ليمون وثلاثين نخلة، هكذا أحصيتها حينما بدأت تتعلم العدّ. عندما تصل الفلج تلفظ أنفاسك، تشاهده طويلاً جداً... كثيراً ما فكرت في نهايته أين تكون، ماؤه يبدو مثل جلد ثعبان منقوش، لأن صخوره الماكثة في قاعة متنوعة ومختلفة الحجوم، هكذا فكرت أن الفلج ثعبان طويل لا تعرف أين رأسه، يزحف حاملاً الماء حتى يدخل بطن الجبل ويمر على قرى كثيرة مختلفة.عند الفلج كثير من رجال القرية جاءوا للوضوء وتأدية الصلاة في المسجد الطيني الصغير القريب من الفلج، كانوا يبتسمون لك من بعيد، يلوّحون لك بأيديهم مرسلين تحيتهم، وتسمع صوت أحد رفاقك يقول لك: (هاه.. سلمان كيف حالك لا تنسى اليوم موعد المباراة). وصوت آخر يداهمك من حنجرة جاركم بينما كان يهم بغسل فمه: (سلمان كيف حالك كيف حال أبيك؟). كنت ترد عليهم بتثاقل لأن النعاس مازال يداعب عينيك، تفكر أن الماء سوف يبلل كل أهل قريتك وسوف يغسلهم من كل شر ومن نفس هذا الماء يصنع أبوك سوطاً بارداً ولاسعاً يجلد به نومك.أراك يا سلمان تحن كثيراً لذاك الزمن، زمن فجر القرية في طفولتك، كلما تذكرته تصاب برعشة حمّى وحزن، لم تكن تعلم في ذاك الوقت أن ذلك الفجر ورائحة الخبز تلك تبعث فيك النشاط وصفاء الذهن والانتعاش وخصوصاً بعد أن تؤدي صلاتك، رغم مطالبتك بحرية الأطفال وكسر تسلط الآباء على أبنائهم، ها قد حدث الفجر من جديد، لكنه هذه المرة ليس في القرية، بل هنا بين هذه البيوت المتراصة والمختنقة حيث لا يوجد ماء يلسعك وينتزع نومك وحيث لا تشم رائحة خبز أمك ولا تعد الأشجار والنخيل وقت ذهابك إلى الفلج. أراك تبحث عن فجرك القديم.

أنت ورنين الجرس
رنين الجرس صوت رنين الجرس شبح مؤذ، كل الأشياء الجميلة ليست موجودة، كل شيء موجود ليس مثل رنين الجرس، الحب مثلا غير موجود، ليس عند الجميع، وإنما عندك يا سلمان، أنت الجالس على كرسي خشبي مثل قط خجول ووجهك يلمع بؤساً وغربة। الكرسي الخشبي تجلس عليه كل يوم كي تتحمل رنين الجرس، وإن تأمل أحد وجهك سيتذكر أن المطر لم يسقط منذ زمن بعيد وسيتساءل ألا تستحق أن تتذوق طعم الحب، أليس مهماً أن يظهر شخص مثلك لهذا الوجود، وأنت جالس على الكرسي في مبنى عملك تترقب رنين الجرس الذي يأخذك إلى المسؤول كي يرهبك بأوامره الساخطة، عندها تحترق وتغدو كتلة رماد، فالمسؤول جلاد يتلذذ بلحمك، وأنت مراسل خجول، حينما تتسلم المراسلات تحتفظ بها في يدك وصدرك خوفاً عليها من الضياع، والمسؤول يصنع كل يوم سخريات جديدة يلبسها لك، ليس المسؤول وحده وإنما كل الموظفين، جميعهم يعتبرونك ورقة بالية.رنّ الجرس... تستيقظ من غفوة قصيرة كنت تتأمل فيها خطوط السقف المشبعة بألوان باهتة ..طرقت باب المسؤول وفتحته ودخلت.. وبمجرد أن رآك، قال لك:(تعال يا قرد.. لا أعرف أي امرأة ستقبلك زوجا). تسقط كرامتك بين قدميك.. تتشظى إلى ألف قطعة وقطعة ... يحمرّ وجهك.. لا تقدر أن تفعل شيئاً سوى حبس أنفاسك وكظم غيظك خوفاً على وظيفتك الرخيصة. بعد ذلك تجلس على كرسي العقاب تنتظر بقية الموظفين، منهم من يضربك على مؤخرة رقبتك، وآخرون يضربونك على ظهرك أو رأسك أو كتفك أو أماكن أخرى، وأنت ترتعد في كل مرة، روحك تأتي وتروح، تقفز عالياً، تتألم وتبكي، تسيل دموعك، تقول في رجاء وحسرة: (ماذا تريدون مني.. دعوني .. دعوني). يفتحون أفواههم كي تظهر أنيابهم التي زرعها المسؤول لهم، يربتون على ظهرك، يقولون لك: (ما بك سلمان... إنها مجرد مداعبة). تجمع في فمك بصقة كبيرة، لكنك تبتلعها في جوفك، كنت تتمنى أن تقذفها في وجوههم بمن فيهم الكرسي والجرس، ولكنك تخاف، شيء ما يشل تفكيرك عن القيام بأي فعل أحمق، أبوك وأمك وأخوتك في القرية ينتظرون قدومك عند نهاية كل أسبوع.تتحس ثيابك وذقنك وأنفك وعينيك، توقن أنك رخيص وتتمنى في كل لحظة أن تعود إلى بيتك في القرية للبحث عن عمل، قصدت أحد رفاقك ممن يسكنون المدينة وسكنت معه مؤقتاً، تتذكر الشمس التي صهرتك أياماً كثيرة وأنت تبحث عن عمل، قدماك تورمتا من أثر المشي الطويل، بكيت كثيراً في الليل متذكراً عيني أمك وقريتك والفلج والمسجد الصغير، نصحك أبوك بالصلاة دائما ً وبغض بصرك، وبعد مدة طويلة وجدت هذا العمل كمراسل خجول تحمل الأوراق من مكان إلى مكان وبعض الأحيان تعمل فرّاشاً للمسؤول، كل ذلك بسبب تركك المدرسة مبكراً، وأنت تعرف سبب تركك لها، فقدت شهيتك للدراسة بسبب المعلمين الذين يشكلون أشباحاً مختلفة الحجوم، فقط هناك معلم الرسم الذي ارتحت له لأنه يشجعك كثيراً خصوصاً وأنه اكتشف لديك موهبة الرسم، وبالطبع أنت لا تنسى المعلم الذي شد شعر رأسك ذات مرة حتى اقتلع بعضاً منه وبعد ذلك ضرب برأسك في الطاولة، ولا تنسى المدرس الذي يأتيك في الأحلام حاملاً في يده سكيناً يريد ذبحك، وهو نفسه يزجرك وينعتك بالبغل كل صباح، وكل مرة تخبر أباك عن كل هذه الأشياء يزيدك ضربا وزجرا، وحبنما ابديت له رغبتك بترك المدرسة رحّب بالفكرة واقترح أن تذهب إلى المدينة كي تعمل مثل بقية شباب القرية ليشاهد فيك الرجل الذي يعتمد عليه، تتذكر أن أباك يصلي ويصوم وأنه فكر في الحج مراراً لولا الديون التي عليه، وفي الوقت نفسه تتذكر أن أباك تزوج مرتين والآن يكره أولاده من الزوجة الأولى ولا يسأل عنهم أبداً ويعتبرهم مثل أعدائه، وفي كل مرة يزورونه فيها يزم شفتيه، وتتذكر أيضاً أباك الذي يلتهم العسل والتمر ويشرب القهوة تحت شجرة البيت كل صباح ولا يحب أن يفعل ذلك إلا بسرد قصص الناس وتغليفها بالشتائم، تتذكر أباك جيداً منذ أن كان يرشك بالماء وقت الفجر.

صباح المدينة
صباحك في المدينة صباح لئيم، غرفتك التي تعيش فيها لعبة توقن أنها يوماً ما سوف تتلاشى مع الرياح، تتحسر على باب الحمّام الذي تهشّم فجأة، صار الحمام عارياً دون باب، تتساءل كيف يكون الحمام دون باب وقد انكشف كل شيء في داخله، وساخة أرضيته، حنفيته العجوز التي بالكاد تلفظ قطرة ماء، نافذته الصغيرة المتشققة والمشبعة بالغبار، صراصيره التي تشكل جيشاً يتدرب ليل نهار، الصابون المبعثر على الأرضية، معجون الأسنان المفتوح الفم، المرآة الصغيرة التي تحمل شقاً على شكل رقم سبعة. وهكذا صار الحمام عارياً، إن طلع أحدهم فوق الأسطح المجاورة لغرفتك فسوف يكشف الحمام، أراك تتحسر، توقن أنه لا يمكن أن يستمر الحمام دون باب، بعد ذلك تتأمل جدران الغرفة وتتحسسها، نبضاتها تتدفق ببطء شديد.صارت مثل أي كائن حي يلهث بصعوبة، يا لهذه الجدران كثيراً ما تصدعت، كثيراً ما تلقت طعنات المسامير في لحم أجسادها، التهمتها قسوة الأيام، تتخيل أي رصيف سوف يبتلعك بعدها.وصباحك صباح لئيم يركلك كل مرة خارج الغرفة كي تظل تتدحرج في الشوارع حتى يجلسك على الكرسي الخشبي في مبنى عملك وتنتظر عندها رنين الجرس، ورنين الجرس صوت ذئب جائع، تتذكر صبايا قريتك حينما يخرجن للفلج لغسل الأواني، كان قلبك يخفق وتشعر براحة حينما تنظر إليهن، ووجدت نفسك تحب المرأة والرسم، وتمقت شكل النقود ونظرات الناس، دائما ما تشعر بحرارة غريبة تسري في يدك تحفزك على أن تمسك القلم وترسم طيوراً تحلق بعيداً عن الأرض، ترسم نساء جميلات وحدائق زهور وأشكالاً هندسية، كنت في طفولتك ترسم بقطع الفحم على جدران البيوت أشكالاً غريبة جدا ليس لها وجود، أشكالاً تبتكرها وكأنها سوف تتحقق في سنوات قادمة، بعد ذلك بدأت الرسم على الأوراق، مرة رسمت شجرة أوراقها سوداء وثمارها رؤوس دامية، وتبدو الشجرة في اللوحة أكبر من المدينة وغائرة في سماء مليئة بالغربان وطيور أخرى غريبة الأشكال، وبعد رسمك لها تمعنت فيها جيداً مما أثار في نفسك الكثير من الأسئلة لأنك رسمتها بعد يوم كئيب وحارق انتهت ليلته بكوابيس كثيرة، حاولت بكل قوتك أن ..أن تنادي أمك كي تحضنك وتقرأ عليك آيات من القرآن الكريم تحفظك من كل سوء، لكنها بعيدة عنك في القرية، وفي الصباح اكتشفت أنك رسمت هذه اللوحة، ولم تستطع أن تتذكر بداية رسمك لها، ومرة رسمت أشكالاً هندسية مختلفة تتطاير في فضاء اللوحة ويطير معها طفل يمسك بيده طائرة ورقية على شكل غيمة ذات وجه مبتسم، ومن الغيم تمتد دوائر حلقية متصلة وتهبط منها مثلثات، وكان الطفل – على ما يبدو في الرسم – يرتفع ويبتعد عن المدينة التي كانت تحته على هيئة غيوم سوداء غائصة بين الجبال.دائماً ترسم وقت جلوسك على الكرسي الذئب، مرة شاهدك أحدهم ووقف خلفك يشاهد ما ترسم دون أن تشعر بوجوده، خطف منك اللوحة، وقال لك: (جميل جداً... لم تقل بأنك رسام موهوب... رسمك جميل). شعرت يا سلمان برذاذ يسري في عروقك، هو رذاذ اللذة التي نادراً ما تتذوقها، كنت الوحيد الذي يهتم بلوحاتك، رأي الموظف انتشلك بعيداً نحو كل شيء مبهج، لكن ذلك الشخص لم يدع الفرحة تستمر لفترة أطول فقد رقص باللوحة وصرخ بأعلى صوته: (تعالوا تعالوا لدينا هنا ..رسم امرأة..تعالوا.. سلمان يرسم)। تغضن وجهك، حضرت وجوه بالية تطلق ضحكات سخرية، مدَ كل واحد يده ليدغدغك، فتحولت على الفور إلى كرة تقاذفها الجميع وكادت ثيابك أن تتمزق، صمت الجميع وانصرفوا كاتمين ضحكاتهم ليفجّروها في مكان آخر، صرخ المسؤول في وجهك وقال: (وأيضاً رغم كونك زبالة... فأنت قليل الأدب والتربية.. هذه الأشياء لا ترسم في هذا المكان المحترم.. سوف أكتب عنك تقريراً بذلك). ومزق اللوحة فوق رأسك وأمرك أن تجمعها كي ترميها في القمامة، تيبس كل شيء فيك، حاولت أن تصرخ وتلبس أنياب الشر كي تحفر الجدران وتصل إلى كل ذئب، رنين الجرس انتشلك من جمودك، أخذت تجمع فتات اللوحة بيدين مرتعشتين كي تشاهد صندوق القمامة يفتح لك فمه ويضحك.

طين يابس
تقف على الطين اليابس، تتذكر نفسك، تقضم أصابعك، عمرك مرّ من أمامك سريعاً مثل الضوء ولم تحادث امرأة غير أمك، لم تنل طعم الحب، لم تلمس يدين ناعمتين، لم تتأمل في عينين واسعتين، لم تطرب لهمسات رقيقة، فقط هو الصباح اللئيم الذي كان يهزأ منك ويركلك ناحية ।مر العمر من أمامك، سكنك الجوع، سكنك الخوف، حينما شاهدت البحر أول مرة قفزت الى قلبك روح جديدة وصديق جديد، فأصبحت تسعى إليه كي تخفف من جوعك، قال لك أبوك غض من بصرك، وهو الذي حينما يشاهد امرأة يسيل لعابه، وها أنت تنظر في الأجساد الأنثوية وتنظر في البحر، كل هؤلاء النساء يمررن من أمامك ولا تجرؤ على محادثة إحداهن، وحينما صرحت لأبيك عن رغبتك في الزواج، نهرك بأن تجمع أولاً المال، والمال في هذه المدينة يذوب بسرعة مثل الثلج تحت هذه الشمس الحارقة، منذ أن كنت صغيراً والأسئلة تتقافز في رأسك حول ذلك الجسد الأنثوي، لماذا يشدك ناحيته بقوة، أي جاذبية ساحرة تلك التي تحطمك، أي تقاسيم عجيبة لهذا الجسد الأملس الناعم، بدءا من شعر الرأس المنسدل حتى الظهر، والصدر السحري، والخصر، والساقين، واليدين الناعمتين، كل هذه التقاسيم تلعب برأسك.إلى متى تنتظر رنين الجرس؟
تجمع الذئاب
حطت ليلة السخط على رأسك ياسلمان، زأرت كالأسد، هشمت نومك، وبقدميك النحيلتين رفست الجدران وختمت عليها علامات الغضب، فتحت نافذتك التي تطل على شارع مظلم، رأيتهم جميعاً كالذئاب، كل واحد يحمل شعلة نار، وبينهم جميع النساء اللواتي راودنك في أرض أحلامك।تجمعوا في ليلة السخط تلك أمام غرفتك الصغيرة، نشروا ضحكاتهم وسخرياتهم بين نارهم المتوهجة، أطلقوا صيحاتهم كي تنغرز في رأسك وتوقظ فيك الوحش الخامد وتقشع صمته، كانوا كثر يرشفون أنفاس النار ويتآمرون عليك، من الذي أرسلهم إليك، كيف تكوّنوا هكذا مثل زوبعة غبار مؤذية، أي رحم قذفهم إلى هنا. نزلت إليهم غاضباً.... وقفت أمامهم متحديا..وقلت:(ماذا تريدون مني..دعوني وشأني॥ أنا لا أحب أحدا منكم). ضحكوا، حتى امتلأت الأرض بضحكاتهم، وبصقوا، حتى امتلأ وجهك ببصقاتهم، وأطفأوا شعلات نارهم حول قدميك. عدت طفلاً من جديد أمام حفر الحياة وكائناتها، حينما لم تكن قادراً على حمل حقيبة المدرسة، حينما رُكلت خارج القرية والمدرسة، حينما لم تكن قادراً على مطاردة القطط والوقوف من بعيد للتفرج عليها، حينما كان أبوك يمتهن جمع الأخشاب كي يكسرها على ظهرك. قلت لهم بخوف وحزن: (سوف أقتلكم جميعاً). كثرت ضحكاتهم وسخرياتهم، قذفوك بكرات طين رطب، عبأت صدرك بخيبة الحياة كلها، الليل زفر فيك روح الفشل، توهج الغضب أكثر في جسدك الضئيل، شحنت القلم بضحكاتهم وبصقاتهم وأشكالهم المقرفة، رسمت وجوههم أكثر بشاعة، رسمت الليل سيدهم، رسمت أمهاتهم الخطيئة التي لا تغتفر، رسمت أباءهم أفاعي تحرضهم على إقتراف الإثم، رسمت أجسادهم معلقة على حبال الهزيمة، وفمك يعجن بصقة كبيرة تتهيأ لقذفها ناحية وجوههم، تتساءل أي كراهية هذه التي اشتعلت في جسدك، أي حقد تكون، أي لوحة تخلق الآن.مازالوا في الخارج يراقصون بعضهم البعض، ويخدعون سيدهم الليل الذي يخبئهم تحت إبطه العفن، وأنت تنفث في اللوحة سر وجودهم. إسترخيت على المقعد واللهاث يتطاير من فمك، لم يعد في قلم الرصاص روح سوى سواد علق في أصابع يدك، قمت بتغطية اللوحة بقماش أسود، هدأت قليلاً. ثم بكيت بمرارة، اشتهيت نهر الطمأنينة أن يغسل روحك وجسدك، ويرقدك في سلام تحت ظل شجرة مثمرة أو وسط حقل زهور، حدقت في السقف طويلاً، إلى أن جاءت الشمس واخترقت زجاج نافذتك، كي تعطيك صباحاً لئيماً وثقيلاً يحمل لؤم وثقل جميع الصباحات الماضية، تنبهت من غفوتك، قمت متعباً، أزحت القماش الأسود من على اللوحة، افترسك الفزع، كان كل شر العالم يجتمع في تلك اللوحة، كان الليل يلّمع أنيابه ويوسخ إبطه بأولئك الذئاب.أشعلت عود ثقاب، فركضت ناره تلتهم اللوحة، احترقوا جميعهم وصاروا رماداً. إذن ليتجرأ الصباح مرة أخرى أن يركلك ناحية الشارع، وليتجرأ مرة أخرى هذا الجرس أن يعلن عن شبحه القاتل، سوف ترسم لوحات كثيرة وتحرقها كي ترتاح من الجميع، ماعدا لوحة أمك.

السبت، 10 يوليو 2010

القطط الزجاجية

يحيى سلام المنذري

أدخل جميع البطاقات وبدون ترتيب في الخزانة المكسورة، أمسك كأس الماء المتشققة وارتشف منها، نفض غطاء السرير، وألقى جسده على الفراش، كان قلبه يخفق، اعتبر نفسه لا شيء، وأكد على ذلك وهز رأسه، حاول أن ينام لكنه لم يستطع. نهض مرتجفا وقرر أن يتناسى موعد الغد ومحاولته السادسة والعشرين في البحث عن وظيفة، فكر: لماذا كل هذا الألم الآن؟ تأمل في حياته المعجونة بالقلق.. راجع نفسه وقال بأنه لا جدوى من التفكير في الألم أو مصدره.. لا جدوى في التفكير فيه إذن.. حاول فعلا أن يتجاهله.. وفي الوقت نفسه فكر في الحياة وأنها تمضي وهو يذوب فيها.. انفجر حزنا وفرحا.. ما جدوى أن يتألم؟
***
استيقظ مبكرا. حمل أوراقه، كنزه الثمين، فهي التي ستقوده إلى الوظيفة المناسبة. تذكر بأن وقت المقابلة ما يزال بعيدا. قرر أن يمشي على الشاطىء قبل أن يركب المايكروباص ببضع ساعات، مشى على حجر صف بعناية، على يمينه سجادة فضية مرصعة بسمك السردين اليابس، رائحتها جميلة، أجساد ووجوه تمشي باتجاهه وتتجاوزه، التقط كلمة أو تذمر أو ضحكة حلوة من هنا وهناك، سجل في عقله تعابير الوجوه المختلفة، كل شخص يحمل هذيانه وأفكاره وهمومه، ليته يعرف ما يدور بخلد كل واحد منهم، لكنه يفكر: “ما الفائدة التي سأكسبها؟” التفت إلى ناحية جبال مسقط الشامخة، وأطلق سؤالا له رائحة البرودة: ماذا لو تحول فجأة اللون البني للجبال إلى لون الحليب؟ وضع أوراقه التي كان يحملها على مقعد يواجه البحر واتجه لمساعدة بعض الرجال في سحب قارب من عمق البحر الى الشاطىء، وكان القارب مليئا بسمك السردين الذي يتقلب في شبكة خضراء. وبعد أن ساعدهم اكتشفوا بأنه غريب عليهم، فحاولوا إمساكه ورميه في البحر، وهو ليس له دراية بالسباحة، لأن أباه لا يعرف السباحة ولا الرماية. وتعجب لماذا حاولوا رميه في البحر رغم أنه قدم لهم المساعدة؟ أخذ يقاوم حتى نجح في الهرب. وبينما كان يركض سمعهم يضحكون بصوت عال كأنهم دخلوا الجنة. وبعد مسافة ليست بقليلة توقف واتجه برأسه ناحيتهم ولهاثه يكاد يقتله، شاهدهم يصطفون بجانب بعضهم ويركعون ويسجدون في صباح له رائحة الخبث والسمك.
***
خرج من المايكروباص ونظر إلى البناية ذات الأدوار العشرة، وتأكد من العنوان في ورقة صغيرة ضمن أوراقه التي كان يحملها. حمله المصعد إلى الدور الرابع الذي توجد فيه الشركة صاحبة الإعلان عن الوظيفة. لم يجد لافتة تدل على الشركة، كل ما هناك ثلاثة أبواب مغلقة ومتجاورة، توقف قليلا وسأل نفسه: "أي باب غرفة يخص الشركة؟" طرق الباب الأول فلم يجد استجابة، مد يده وفتحه بهدوء وتفاجأ بوجود مجموعة كبيرة من القطط الملونة تحدق فيه. هكذا بدون أن يتوقع – ولا أي إنسان آخر يمكن أن يتوقع- يهم بفتح باب غرفة للبحث عن شيء معين ويصعق بمشهد آخر.. هكذا بدون مقدمات شاهد غرفة مملوءة بقطط صامتة وواجمة، لم يسمع صوتا، كأنها دمى، بعضها جامد وبعضها الآخر يتحرك، لكنها لم تحاول أن تهرب من الباب، انتابته رعشة سرعان ما تحولت إلى خوف، وبدون تفكير أغلق الباب بقوة وركض متجاهلا المصعد إلى ناحية السلم وصادف امرأة جميلة تصعد السلم، لم يعبأ بها رغم جمالها، ثم وجد نفسه في الطابق الأرضي وبعدها خارج البناية، ثم ابتعد قليلا عنها ودخل إلى مقهى يقع مقابلها، جلس إلى طاولة كمن يستنجد بأي أحد ليهدىء من خفقان قلبه وليريح قدميه المرتعشتين، لم يتمكن من سماع صوت النادل وهو يسأله عن طلبه، فقد تجمد للحظات. وحينما لاحظ النادل شروده انسحب من طاولته وذهب إلى أخرى. بدأ يحدق في البناية مستحضرا مشهد القطط، وتنبه إلى أنه نسي أوراقه هناك، وتذكر بأن شهادته الجامعية الأصلية من ضمن الأوراق، فكر إن كان ذلك المشهد مجرد خيال فقط، جاءه النادل مرة أخرى، حينها سأله على الفور: “أليست شركة المبادرات العالمية هناك في الطابق الرابع في هذه البناية” أجابه النادل على الفور وقال: “لا أعرف.. ربما.. ماذا تطلب؟”. نكس رأسه وأحس بخيبة كبيرة.
***
مات أبوه قبل أن يفرح بدخوله الجامعة، وعندما تخرج في الجامعة ماتت أمه قبل أن تفرح بتخرجه. وأثناء الدراسة أحب فتاة جميلة، لكن أباها أرغمها على الزواج من ابن عمها فاختفت من أمامه فجأة واختفت أيامها الجميلة حينما كان يلتقي بها في أحد الفصول الدراسية بعد المحاضرات حيث كان يقتات الحنان والابتسامات والغنج والصوت الناعم ونظرات دافئة من عينين ساحرتين، تلاشى الحب مثل غيمة كانت مملوءة بالمطر فأجهضته وانفجرت كالبالونة. كان كلما يتذكر تلك الفتاة يضرب بيده على جبينه ندما لأنه لم يحاول يوما أن يلمس صدرها واكتفى بلمس يديها وها هي اختفت وتخرج هو في الجامعة وماتت أمه وأصبح وحيدا.

اتجه الى خزانة ملابس مكسورة الباب حيث فتش بين أكوام أوراق وكتب مغبرة، فانتشل بطاقات عديدة كتب فيها جميع مواعيد المقابلات بشأن الوظيفة في الأشهر الماضية، ووضعها أمامه مرتبة على الأرض كمن يريد أن يتهيأ للعب بالورق، كان عددها خمسا وعشرين بطاقة جمعت خلال عام كامل وتوزعت معلوماتها بين قطاعات حكومية وخاصة، حدق إليها وضحك بتعب، كل تلك الهرولة والاستعدادات لم تجد نفعا، كل تلك المحاولات أصابها الفشل، كأنه يتخيلها شريطا يمر أمامه في فيلم سينمائي، ويشعر بالتعب من التحديق المستمر فيها، حاول أن يحلل ويستنتج لكن التعب غرز رأسه، مشاهد طفولته تمر فجأة في رأسه، مشاهد بعيدة في بطن تاريخ مغبر، لكنه يبعدها عن رأسه وبالطريقة التي اعتادها حينما يريد إبعاد فكرة أو مشهد من رأسه بأن يضرب بيده على جبينه بقوة لاعتقاده بأن لسعة الألم تلك كافية أن تهشم كل شيء. قام وشاهد نفسه في المرآة.. ضحك وغمز وصفر، ثم اكتئب، اكتشف بأنه لم يتقن عملية التمثيل، اكتشف بأنه ضعيف.. ضعيف لدرجة أن الأشياء البغيضة تغلبه بسهولة.. اكتشف بأن له طبيعة هشة مثل رقة القوارير.. نفحة هواء تستطيع أن تسقطها وتنكسر.
***
قرر أن يصعد مرة أخرى إلى تلك البناية على الأقل ليجلب أوراقه التي نسيها هناك وربما سيتأكد من وجود الشركة وأن ذلك المشهد ليس إلا محض تهيؤات. خرج من المقهى وترك النادل في دهشته وقد لاحظ بأنه لا يوجد أحد في مدخل البناية والمصعد وحيد هناك، دخل من جديد إلى المصعد وصعد إلى الطابق الرابع ليجد أن الأبواب الثلاثة ما زالت مغلقة لكن أوراقه لم تكن هناك، حدق في الممر لكنه لم يجد شيئا. كان الممر غارقا في هدوء مخيف، أخذ يكلم نفسه “أليس أحد هنا؟ ربما أحدهم أخذ أوراقي وستدخل تلقائيا ضمن المقابلات” قرر أن يفتح الباب الثاني، ومد يده وفتحه فوجد قططا زجاجية تحدق إليه بعيون كريستالية ملونة، كان عددها كبيرا، لكنها هذه المرة لا تتحرك، ظل ماسكا مقبض الباب، كان واجما يحدق ويقرأ الغرفة ذات الجدران البيضاء، ولم يجد غير ما شاهده، أغلق الباب وقد كان خوفه هذه المرة أقل بكثير من السابق، بحث من جديد عن أوراقه في الممر لكنه لم يجد شيئا. قرر أن يفتح الباب الثالث. تردد في بداية الأمر، فكر أن يرحل وألاّ يعود من جديد إلى هنا، سينزل ويجلس في المقهى ويطلب شايا مع الحليب ويمحو من ذاكرته هذا اليوم. لكنه تذكر شهادته الأصلية وأنها هي منقذه من حالة البطالة هذه، ماذا يفعل؟ سيفتح الباب الثالث. وربما سيجد لجنة المقابلة حسب الإعلان الصادر. مد يده وفتح الباب فلم يجد هذه المرة القطط، وإنما وجد أبوابا زجاجية معتمة. خفق قلبه من جديد وتذكر بأن الوقت يمضي وأنه لم يعمل حتى الآن والأبواب تتكاثر والقطط في الغرفتين المجاورتين لا يعرف سرهما. وقرر ألاّ يعود إلى بطاقاته وأنه سوف يهشم هذه الغرف وسيظل يبحث عن أوراقه مهما كلفه ذلك من ثمن.


ملاحظة: الصورة في الأعلى نقلت من ((http://www.flickr.com/photos/livingglassart/3274757676/))

الخميس، 10 يونيو 2010

يوم واحد يتلألأ في عينيَّ

يحيى سلام المنذري

على ما يبدو كانت سقطة مدوية، هناك رأس تحول إلى مصباح يضيء ويظلم، يضيء على مشاهد وكأنها خيالية في عالم سينمائي، ويظلم على سواد وكأنه نوم قصير. كأن زوجتي تصرخ، كأن هناك مطرا يهطل بغزارة، هل هذه آلام في الرأس؟ لماذا الأصوات خافتة هكذا؟ والشوارع مبلولة، وأسئلة تتطاير من فمي مثل ريش نتف من حمامة ضربت على رأسها.
***
قبل تلك الليلة وقبل أن أنام داهمني شعور بأن هناك مؤامرة على شكل طائر أسطوري يبحث عني لينقر الجزء الخاص بالتفكير في رأسي محاولا تفتيته قطعة قطعة ليصبح لا شيء. على ما يبدو أنه يبحث عن ذلك الشيء المتواضع في رأسي منذ زمن، لكنني صمدت وحملت نفسي بقوة من على السرير والتصقت بالسقف ماسكا رأسي بقوة خوفا من أن يخترقه الطائر، أي أن وجهي التصق بالإسمنت المصبوغ باللون الأبيض، هكذا دون مبالغة حدث هذا لي ورأيت بياضا عجيبا جعل مشاهد مختلفة من حياتي تمر أمامي، بعدها مللت الالتصاق وأسقطت جسدي بسرعة ناحية السرير، محاولا أن أنام ولكنني فشلت، ومرة أخرى يأتي الطائر الأسطوري محاولا إحداث الثقب في رأسي وتحطيم لؤلؤة التفكير الثمينة بالنسبة لي. هذه المرة لم أعاود الإلتصاق بالسقف ولكنني هربت من الغرفة تاركا زوجتي وإبني نائمين والطائر بمنقاره الحاد يطاردني ويطلق صوتا مزعجا، توجهت إلى سطح البيت وحدقت ناحية سحب كثيفة من الشر حتى ظهرت الشمس واختفى الطائر في ظلام الليل. بعد ذلك سمعت صوت زوجتي تقول:
( يا عمري هيا معي..)
إلتفت ناحيتها وشعرت بشيء من الفرح لسماع صوتها الرقيق ولكنني رأيتها شاحبة وكأنها هي الأخرى لم تنم ليلة البارحة.. عاودت الكلام وقالت:
(هيا.. لنتقدم أكثر تجاه الدخان.. لا.. لا تلمس تلك الصخرة..)

وبما أنه لا توجد صخرة ولا دخان تبين لي بأنها ما زالت نائمة.. ثم تحول كلامها إلى منولوج غامض:
(هيا نواصل السير.. لا عليك من الدخان الذي ينفث روحه في خياشيمنا.. لا عليك من الحفر التي تتسع تحت أقدامنا.. حاذر.. حاذر من تلك الحفر العميقة.. ابتعد عنها. لماذا توقفت؟ هل أنت خائف؟ إن كنت لا تستطيع أن تواصل فسوف أكمل المسيرة وحدي واجلس أنت هنا كي تلعب بهذه المياه الراكدة والتي لن تستطيع أن تواصل العبث بها وسوف تلاحظ أنها لوثت يديك، وربما تمرضك).
كت مبهوتا من كلامها وكأنني كنت معها في مسرحية.. حاولت أن أمسك يدها.. لكنها عاودت الحديث:
(وإذن.. ألن تأتي؟.. هكذا إذن.. يبدو أنك لن تواصل معي.. انت تخاف الدخان والحفر.. أنت خائف.. حسنا.. سوف أتحرك وحدي.. لن أخاف مثلك.. ولكن يجب أن تبقى هنا تنتظرني حتى أعود.. لماذا لا تتكلم؟.. لأنك جميل وطيب وهادىء.. لا تبتسم لي هكذا..إنها ليست مجاملة.. هيا دع عنك الخوف ورافقني في رحلتي).

وبعدها صمتت لفترة قصيرة، لم أستطع الكلام، تذكرت طائر المؤامرة وانتابتني رعشة سببت لي تعبا شديدا، ثم حضر صوتها من جديد ورجعت إلى نشاطي الذهني، وأكملت:
( وهكذا يا عمري.. ظللنا نمشي ونمشي والدخان لم ينجح في تنويمنا.. ولم تنجح تلك الحفر في اصطيادنا.. هل تريد أن تبدي ملاحظة حول ما دار في رحلتنا؟ نعم.. أعرف هذه الإيماءة.. أعرفها جيدا.. حفظتها.. وحفظت هذه الحركة التي تؤديها بيديك.. أعرف أنك استمتعت بالإنصات إلى خرافاتي.. وأنا أثرثر عن أي شيء.. حكايات.. حكايات لا تنتهي.. حكايات تتكرر.. حتى أحلامي أحكيها لك في كل ليلة.. ولكنك لا تستطيع أن تحكي حلمك.. كما أنك لا تستطيع أن تكتبه لي.. يداك ترتعشان كثيرا إذا ما حاولت أن تمسك القلم.. أنت عجيب.. ليتني أعرف قصتك.. ليتني أعرفك.. لماذا تنظر إلي هكذا؟ نعم أنا وحيدة معك.. لا.. لست وحيدة.. أنت طيب وجميل.. لكنك عنيد.. حتى إشاراتك خرساء.. ما الذي فعله بك الزمن حتى غدوت هكذا؟ لا تبتئس يا عمري.. خير لك هذا الصمت المؤبد.. هيا بنا نذهب إلى الشاطىء.. أعرف بأنه صديقك.. فهو الوحيد الذي تبث مشاعرك له.. لماذا هذه الدموع؟ هل أسأت إليك؟ إذن ماذا؟ هل ما زلت تتمنى إمتلاك طاقية الإخفاء؟ أعرف بأن الكثير من يتمنى هذه الأسطورة الجميلة، وكأنك تريدها.. تريد أن تلبسها في رأسك ولو لفترة قصيرة، كي تتمكن من ثقب هذا العالم، ولو قدرت أن أحصل عليها فسوف ألبسها لك.. أنت يوم وأنا يوم.. وهكذا يا حبيبي سوف نتشارك في ثقب هذا العالم ونبصق في وجهه ونعري غموضه وقسوته وربما نغيره).

وعندما ازدادت حرارة الشمس اختفت زوجتي وتلاشى صوتها. نزلت من السطح مهرولا ناحية الغرفة.. فتحت الباب فوجدتها نائمة وهي تحضن إبننا. كان ذلك اليوم عطلة ولا أعرف ما الذي حدث في ليلة البارحة، هلوسات وربما حلم عابر رغم أنني متأكد بأن النوم لم يكن صديقي.

***
هل فعلا أصبحتُ لا شيء؟ هل نجح الطائر الأسطوري في تفتيت عقلي؟
كأنها غيوم سوداء تمر أمامي ببطء شديد.. ببطء شديد.. ببطء لا يوصف.. أمام عيني تمر الغيوم.. هل هي لا شيء.. مؤكد هي لا شيء أيضا.
على ما أذكر أنني في ذلك الوقت تخيلت أن الغد كئيب وحزين، شعور لا أحبه يراودني كثيرا ويغرزني بالألم. كم أكره الألم وأصر على تجاهله وكسره بقدمي، لا أستطيع تذكر كل ذلك اليوم.. لكنه يعود ويتلألأ في عيني بوضوح. قبل السقوط تلقيت فيما أظن مكالمة من صديق يسألني عن حالي وهل هناك مشروع لوحة جديدة أم هو صمت مؤقت، لكنه أدرك كآبتي وعدم رغبتي في مواصلة الحديث معه، فقطع المكالمة بعد أن وعدني بزيارة قصيرة إلى المرسم. وبعدها خرجت لأتناول شيئا من المطبخ ولكن كأن شيئا حاول النقر على رأسي، ثم كأنني إنطفأت.
***
تناقشت مع زوجتي في موضوع مستقبل إبننا (وليد). إختلفنا كثيرا. نقاش. صراخ. ثم تجمدنا في صمت قصير. بعد انتظار خمس سنوات جاءنا وليد، أحضر معه سعادة لا توصف وصار ببراءته يقوي الحب الذي بيني وبين أمه سعاد، انتظرناه طويلا، كنا نخترق الزمن بصعوبة، نكافح أياما طوالا، حتى جاء بروحه الوثابة وابتساماته الرائعة ولوحاته الفنية التي لا تمحى أبدا من خيال أي فنان.. جاء، وأحرق رتابة كادت أن تهزمنا.
ولكن..
لماذا ينتابني الآن شعور بالخواء.. أجدني أغوص في فضاء لا أعرف مصدره. أجد بأن المؤامرة تقترب مني.
***
قبل ذلك اليوم.
قبله بيومين أو يوم، لا أذكر. كنت جالسا في مقهى أمام البحر، أمامي جدار زجاجي يعرض صفا من الطاولات ذات أغطية ملونة.. في كل منها قائمة أسعار وطفاية سجائر، يأتي بعدها سياج نباتي أخضر طويل.. صف من نخيل جوز الهند المتباعدة قليلا عن بعضها البعض.. سجادة من الرمال الناعمة الذهبية تتمرغ عليها سيارة تجر خلفها قاربا بحريا صغيرا.. بحر أزرق شامخ ليس له نهاية.. سفينة بعيدة يبدو أنها لا تعبأ بوحدتها. مشهد جميل لكنه لا يؤخر المؤامرة.

البحر يتلألأ في عينيَّ المتعبتين من السهر، لم أنم ليلة البارحة وما سبقها، كنت أتظاهر بالنوم حتى لا أبث القلق في سعاد، لأني أعرفها جيدا سوف تشاركني كل هواجسي، وربما تتعب أكثر مني. كنت أسمع بكاء وليد، كانت لدي رغبة عارمة في أن أقوم وأحضنه وأساعد أمه في تنويمه، لكنني تمرغت في قلق وحرقة، وبعدها وكعادتي حملت لحافي وارتقيت السطح واستلقيت هناك حتى الصباح بدون نوم.

البحر بدا لي هادئا جدا.. والقهوة المرة أيقظت ذهني قليلا..
صرت أبحث بجنون عن بدائل تساند راتبي المهدد دائما بالاختفاء طالما أنني أمسك هذه الريشة وهذا القلم. فكرت في مشروع تجاري إلا أنني من أولئك البشر الذين لا يهتمون بالربح أو التجارة، إذ أنني لم أفكر في هذا المشروع من قبل ولكنني مضطر للتفكير فيه والسعي في إنجازه. بت أفكر في مستقبل إبني الذي انتظرت قدومه بفارغ الصبر. هكذا.. الآن لا يجب الاعتماد على راتب الحكومة.. إنه مهدد بالانقراض في أي وقت.. لأنني أنتمي إلى تلك الشريحة من الموظفين أصحاب النوايا الحسنة والمبادىء والمثابرة والطموح، ليس مكاننا هنا بين هذه الذئاب التي تعلن الحرب لأجل مصالحها، وأهدافها هي بطونها والصراع حول الكراسي، لعبة الشر الأبدية، الهدف هو الكرسي وما عدا ذلك فليذهـب أي شيء إلى الجحيم، أي قرف هذا؟ فكرت أنه يجب علي أن أستقل.. أنجز أعمالا أخرى أقرب إلى نفسي وإلى إبداعي. صارحت صديقا بأنني أحس منذ زمن أنني بصدد مواجهة تصيد خبيث لتحطيمي، لكنه طمأنني بأن ما يدور في ذهني مجرد أوهام ونصحني بأن أتجنبها ولا أدعها تتغلب علي.
بعد أن رجعت من المقهى رسمت بحرقة.. أخذت كتلة حماس تنبت في ذهني.. ربما كانت مثابرة صادقة وخيرة لأجل البقاء والاستمرار والتفوق.
***
في ذلك اليوم بعد أن حل الصمت بيننا – أنا وسعاد - استيقظ وليد من نومه مفزوعا، بكى كثيرا دون أي سبب. سعاد كعادتها تعاتبني على ذلك النقاش حول مستقبله وصراخنا الذي لا مبرر له. عاتبتها بدوري على عنادها. ولكن وليد هدأ بعد فترة قاسية، جعلني أتألم معه بحرقة. جاءني هاتف من السمسار يقول أنه وجد لنا أرضا مناسبة كي نبني عليها بيتا صغيرا. تواعدنا في عصر الغد كي أعاينها. كثيرا ما نسجت بيتا نادرا يقع على تلة عالية تواجه بحرا وبيوتا وجبالا بعيدة. تذكرت أنه من يومين قد خططنا لقضاء عطلة الصيف في منطقة هادئة. لأن وليدا وهو في عامه الأول يبدو فنانا كأبيه ينظر للمشاهد التي يصادفها نظرة أخرى تختلف عن الجميع، أراه يتأمل كثيرا في الألوان، خصوصا اللون الأزرق الفاتح الذي يجذبه لدرجة أنه لا يسمع نداءاتنا المتكررة له. لذا فقد كان يستحق أن أفتح له حساب توفير في البنك كي أؤمن له مستقبلا باهرا. كان ينظر إلي حينما أقرأ كتابا ويقول لي: ( دعه لي يا أبي.. سوف ألتهم مكتبتك العامرة بالكتب كتابا كتابا.. انتظرني فقط). وحينما يراني أرسم، يجلس متأملا يدي وهي تلون اللوحة البيضاء.. يغوص في أعماقها، وبعد ان أنتهي منها أتخيله ينتقدني كثيرا ويمدني باقتراحاته. جميل وجود هذا الطفل في حياتنا يا سعاد، جميل صوته العذب حينما ينطق كلمة ((بابا أو ماما))، فكرت بجدية أن أعمل معه حوارا صحفيا، نعم سوف أحاوره ليقيني بأنه يمتلك فكرا خصبا وربما يفيدني بآرائه في الفن التشكيلي، من المؤكد أن لديه أفكارا جديدة ورائعة كوجوده.

لا أعرف حقا لماذا هذا الخواء. لماذا هذا الخوف؟

وها أنا أخرج من باب البيت.
في ذلك اليوم شعرت بحزن وكآبه أكثر من السابق. رجعت من العمل وتناولت غدائي بسرعة رغم وجود سعاد ووليد. لم أقدر على النوم. تسألني سعاد عن سبب شرودي وحزني.. ضحكت محاولا التمثيل.. وبالفعل لا شيء هناك سوى سحابة حزن وكآبة.. لكنني أذهب وألعب مع وليد وأنسى كعادتي كل شيء.. سألتني سعاد إن كنت قد أكملت اللوحة.. فأجبتها: (( ليس بعد.. ليت وليدا يكملها)). ضحكت وقامت لتحضنني وهي لم تفعل ذلك منذ زمن طويل.
***
مرة بينما كنت أفتش بين أكوام أوراق وكتب مغبرة وقعت يدي على بعض الصور القديمة التي تجمعني مع أصدقاء حميمين. حينما شاهدتها انفطر قلبي ألما.. تذكرت اللحظات التي صورت فيها.. لحظات مدفونة في بطن التاريخ.. يا لها من صور.. بعضها أتذكر مواقفها والبعض الآخر لا تقدر ذاكرتي على نبشها.. لكنها لا تبعث في نفسي سوى الحزن والتعب.
في تلك الصور، موجود أنا بينهم.. جسد نحيل لم ينبت شاربي بعد.. الأصدقاء من حولي.. بعضهم لم أره أبدا بعد تلك السنة.. منهم من رحل عن البلد.. ومنهم من يرقد في حضن قبر مظلم. لماذا كل هذا الألم الآن؟
***
لاحظنا الإصرار في وليد.. فقد بدأ يحبو..إذا واجه الفشل حاول من جديد. تمنيت أن لا يقع في حفر صعبة كأبيه. ورغم أن رأسي مثقل بجميع تلك الحفر التي سقطت فيها طوال عمري نتيجة تسرع أو نزق أو حمق أو سذاجة.. إلا أنني في نفس الوقت أتذكر صمودي القاسي.. كثيرا ما سبب لي هذا الصمود رغبة في الحصول على ينبوع عذب يغسل كل تلك الحفر، ويزيل جميع الكبوات الحمقاء، سألني ذات مرة أحدهم: ( كيف كانت طفولتك؟ ) أجبته: (لم أكن طفلا ذات يوم) فاعتبر إجابتي استفزازا له وتحديا.. تناول حجرا وشج رأسي به وهرب. لم أعبأ بالدم الذي تدفق بغزارة.. لأنه تدفق قبل ذلك مرتين في نفس المكان.. هكذا على مدار العمر يتدفق كالنافورة ويبلل ملابسي بلزوجته الحارة. بعد أن هرب ذلك الشخص، هربت أنا من دمي.. ولم يكن أول هروب.. ولا أريد أن أحصي أيام هروبي.. أتساءل كيف وقعت في تلك الحفر النتنة؟
***
هل أصبحت لا شيء؟
كأنها غيوم سوداء تمر أمامي ببطء شديد.
صمت يخيم على المكان. هل تلاشت الآلام؟ لا أشعر بشيء مطلقا. تمر أمامي الآن السدرة التي كنت أتسلقها وأنا طفل.. لماذا لم أفكر في رسمها؟ تمر أمامي صورة أمي ثم أبي، صور ملونة تجمع أخوتي وأخواتي، صورة أخرى تجمعني مع سعاد ووليد، وجوه بعض الأصدقاء الحميمين.

كل ما أتذكره في ذلك اليوم أنني كنت أرسم، وأنني كنت أسمع وليدا ينادي ((با باه..با باه))، كل ما أتذكره أن لوحتي لم تكتمل بعد، وأنني استعد للدخول في مغامرة طويلة لم أستطع بعد أن أتنبأ بنتائجها. مغامرة جاءت نتيجة مؤامرات دنيئة من قبل أشخاص ليس لهم علاقة بالبشر.

حفر كثيرة وسقوط كثير، وأجد نفسي أقوم وأمشي من جديد، لكن هذه المرة سقوط مختلف، فرأسي تحول إلى مصباح يضيء ويظلم، يضيء على مشاهد وكأنها خيالية في عالم سينمائي، ويظلم على سواد وكأنه نوم قصير. كأن زوجتي تصرخ، كأن هناك مطرا يهطل بغزارة، هل هذه آلام في الرأس؟ لماذا الأصوات خافتة هكذا؟ والشوارع مبلولة، وأسئلة تتطاير من فمي مثل ريش نتف من حمامة ضربت على رأسها. كأنه مستشفى وأطباء بملابسهم البيضاء تتماوج أجسادهم في مصباح مليء بالدخان. أسئلة تتكرر من فمي والمصباح يضيء وينطفيء.. والذاكرة تحاول أن تحيا وتستنجد بمشاهد الحياة.. هناك أرض زلقة وقدم أسقطها الماء وأسقط معها جسدا ورأسا تحول إلى مصباح هش، وطائر يبدو أنه نقر بقوة على رأسي أحدث فيه فوهة كبيرة سقط منها كل شيء.

الجمعة، 21 مايو 2010

مواقع أدباء الخليج في خارطة الإبداع الأدبي

إبراهيم فرغلي

وكالة الأهرام للصحاقة

ماهو موقع الأدب الخليجي من خارطة الإبداع في العالم العربي؟
سؤال يبدو سهلا لكن الإجابة عليه ليست بالسهولة نقسها.. لأسباب عديدة من بينها حداثة عهد تجربة الأدب الخليجي من ناحية، وعدم انتشاره عربيا بالشكل الذي يساهم في تقييم النقاد العرب لهذه التجربة بشكل واق كما هو متحقق لدول عربية اخرى مثل مصر ومنطقة الشام وحتى العراق والسودان . بالإضافة لمجموعة اخرى من العوامل والظروف التي يرصدها التحقيق التالي ..الملاحظة الأولى التي تبادرنا لدى الإجابة عن سؤال يتعلق بالأدب الخليجي هو اختزال الأدب في كل بلد من بلدان الخليج باسم او بضعة اسماء باعتبارها رموز الأدب في هذه البلدان رغم ان الخريطة الإبداعية في كل بلد على حدة تتسع جغراقياً عاماً بعد آخر وينضم لها كتائب من الكتاب الشباب .. لكن لظروف تقصير الإعلام العربي من جهة واستسهال النقاد ، وصعوبة انتقال الكتاب العربي بين حدوده ولأسباب اخرى ربما . يكرس الجميع لاسماء بعينها في عالم لم يعد يستوعب قكرة الكاتب الأوحد .
على سبيل المثال-بعد تجاوز نموذج الكاتب عبد الرحمن منيف لوضعه الخاص -عندما يذكر اسم السعودية تحضر بعض الأسماء منها الكاتب والشاعر غازي القصيبي وعلى مقربة منه يستقر اسم الروائي تركي الحمد ومعه عبد العزيز المشري . ولكن المثققين في مصر مثلا لن تجد لديهم معرفة بطبيعة المشروع الإبداعي لأي من هذه الأسماء فما بالك بأسماء جيل جديد من الكتاب قدم عدة تجارب ابداعية لافتة مثل الكاتب عبده خال ثم كاتبات امثال نوره الغامدي ومحمود تراوري وغيرهم .
في سلطنة عمان ايضا ستجد الساحة الأدبية العمانية رغم ما تشهده من زخم على يد جيل جديد من الكتاب والكاتبات يظل مختزلا في اسم الشاعر سيف الرحبي، او في اسم الكاتب الروائي اسماعيل فهد اسماعيل وليلى العثمان في الكويت، كما يشيع اسم الدكتور عبد العزيز المقالح في اليمن رغم وجود اسماء مثل زيد مطيع بعمله "الرهينة" ومحمد عبد ولي وغيرهما . او اقتصار الإبداع في البحرين على اسم الشاعر البحريني قاسم حداد وأمين محمداو على اسماء عبد الحميد احمد وعلي ابو الريش وميسون صقر في الإمارات رغم وجود اسماء اخرى كثيرة منها محمد غباشي ومحمد المر ومحمد المزروعي في الشعر وغيرهم .
الدكتورة ماري تريز- استاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة والناقدة-تعلل هذه الظاهرة بالإحالة على تقصير الإعلام بشكل عام والإعلام الأدبي والثقافي في المنطقة العربية بشكل خاص وتقول: الإعلام يمارس دورا سيئا جدا في عدم تعريف الأجيال الشابة في مصر فما بالك بالخليج ؟وتضيف د. ماري انه حتى الكتب الإبداعية لهؤلاء لا تصل للقاهرة إلا خلال معرض الكتاب، ولكن بدون اي تقديم اعلامي من اي نوع وبالتالي سيكون من الصعب ايضا الحصول عليها.ولذلك تقول د. ماري: معرفتي في النهاية ستكون محدودة للغاية .. اعرف اعمال الكاتب عبد الرحمن منيف . اعرف بعض اعمال ليلى العثمان، واتابع دواوين واعمال الشاعر العماني سيف الرحبي الذي تعجبني اعماله بشكل كبير. وحتى عندما يحضر اي من هؤلاء إلى معرض القاهرة للكتاب يتم تقديمهم في جو صاخب ومهرجاني لا يتيح للمهتم التعرف عليهم بشكل جيد، ولا تتاح ايضا القرصة للجمهور العادي لأنه غير مهتم اساسا لا بكُتَّاب مصر ولا بغيرهم .
نزوى

يضيف الكاتب والناقد الشاب محمد عبد المجيد بعداً آخر يتعلق بالدوريات التي تصدر في بعض دول الخليج التي تمارس هذا التعتيم بشكل ما . ويقول: مجلة "نزوى" التي يصدرها سيف الرحبي بسلطنة عمان هي الاستثناء الوحيد لأنها تقدم باستمرار اسماء متعددة لكُتَّاب وكاتبات عمانيين وبالتالي نحن نعرف بعض الأسماء رغم ان ذلك لا يمكن ان يكون صورة كاملة كما لو اننا نقرأ لأي منهم كتابا كاملا .. لكن على الأقل نتعرف اليهم . بينما سنجد ان الدوريات الثقافية التي تصدرها الكويت او دولة الإمارات تقدم خدمة ثقاقية ومهمة لكنها لا تقدم أي اسماء لكُتَّاب هاتين الدولتين، بل هي تركز على اسماء عربية اخرى ربما تواجه مركزية الثقافة المصرية وتحقيق نوع من الثقل الثقافي، لكنه يأتي على حساب التعريف بكُتَّابها انقسهم في نهاية الأمر.ويضيف انه كناقد قد تصل اليه بعض الأعمال الإبداعية من الكويت وغيرها .. لكنها تصله بشكل شخصي وقردي وبالتالي يتم التعامل معها ايضا بشكل فردي وليس في سياق اتجاه ادبي معين او مدارس ابداعية لها شكل محدد.
ولعل ما يؤكد صحة ما يذهب اليه الكاتب محمد عبد المجيد ان النقاد المصريين بالفعل يتعاملون بشكل فردي تماما في نقد الأدب الخليجي: ستجد مثلا مقالا للناقد فاروق عبد القادر عن عبد المجيد احمد وبعض كتاب الإمارات وقد نشره في كتابه "نفق معتم ومصابيح قليلة". كما ستجده وقد نشر مقالا عن أعمال الكاتبة الكويتية ليلى العثمان في عدد مجلة الأدب الذي خصص لدراسة الأدب الكويتي . او مقال لصلاح فضل او غيره عن كاتب ما لكن لا توجد دراسات وافية .
هناك ايضا بعض دراسات المصرية التي تتسم بالاجتهاد لانها تبحث عن مصادر جديدة وتكشق اما عن اسماء خليجية رائدة او شابة .أول سيرة ذاتية وعلى سبيل المثال ضمنت الدكتورة رضوى عاشور كتابها "صيادو الذاكرة" الصادر عن المركز الثقافي العربي مقالا عن التقاعل الثقافي وتقنيات الكتابة بدأت فيه بالإشارة إلى أول سيرة ذاتية تكتبها امرأة عربية وهي سيرة نشرت في برلين باللغة الألمانية عام 1886ونقلت عام 1988إلى الإنجليزية ثم بعدها بعام إلى الفرنسية المذكرات للأميرة سالمة ابنة السلطان سعيد بن سلطان حاكم مسقط وزنزبار وقد صدرت ترجمته العربية عن وزارة التراث القومي والثقافة من ترجمة عبدالمجيد حسيب القبيصي .
وعن هذا الكتاب تقول د. رضوى: "انتجت الأميرة سالمة ابنة سلطان مسقط وزنزبار سيرة ذاتية لها خصوصيتها الشديدة، ففي النص دفاع عن الشرق، وفيه ايضا هجوم على الاطماع البريطانية في الشرق. باختصار يقع النص في نقطة التقاء تقاطعات عديدة، وهو نص فريد في كتابة المرأة العربية" وهي اذ تحكي قصة حياتها تختار الشكل الدارج في القرن التاسع عشر لكتب العادات والتقاليد، وتفرد لوصف المكان واسلوب الحياة اليومية لسكانه مساحة مساوية لما تفرده لحياتها الخاصة . تكتب عن وضع المرأة في الشرق عن الخطوبة والزواج في بلاد العرب، عن زيارات النساء ومجالس الرجال، عن الصيام والأعياد في الإسلام، وعن الطب والعلاج والنذور والأرواح وتمضي الأميرة في اثبات ان المرأة الشرقية ليست ذلك المخلوق المظلوم المضطهد البائس الذي لا حول له ولا مقام في الحياة كما يحلو للناس هنا ان يكرروا هذا دوما".
لكن هذا الاكتشاق الذي تقدمه الدكتورة رضوى عاشور لم يكن جمهوره سوى بعض الكاتبات العربيات اللائي حضرن ندوة التفاعل الثقافي وابداع المرأة العربية بتونس، ثم هاهو يصدر في كتاب صادر عن دار نشر عربية هي المركزالثقافي العربي بما يجعل انتشار الكتاب محدودا لا يمكن بلا إعلام ان يحتقى به بشكل يتيح التعريف اعلاميا بمذكرات السيدة سالمة.
على المستوى ذاته سنجد ان كاتبا مثل يوسف الشاروني يكتب عدة دراسات عن الأدب العماني ضمنها كتابه "في الأدب العماني الحديث" لكنه يهتم ايضا برواية الكاتبة العمانية الشابة بدرية الشحي "الطواف حيث الجمر" والتي يصفها بأنها رواية رحلة "بطلتها زهرة من مسقط رأسها في الجبل حيث اشتعلت هناك ثورة في الخمسينات من القرن العشرين وذلك بعد ان مات حبيبها سالم وأراد اهلها ان يقرضوا عليها زواجا من شاب يصغرها باثنى عشر عاما . وهكذا تمردت على تقاليد لم تتعود ان تخالف النساء فيها قرارات الرجال. وكان هروبها كامرأة وسط مجموعة من البحارة محفوفا بأشد الأخطار لكنها بجرأتها وذكائها استطاعت ان تصل إلى ماليندي وتحسب انها بذلك انقذت نفسها لكنها اكتشقت انه هروب للأسوأ .
يقول يوسف الشاروني عن بدرية الشحي انها طالبة بعثة في المملكة المتحدة تعد رسالة دكتوراه في الهندسة الكيميائية لم تتخل عن موهبتها بل تعهدتها بالرعاية والمثابرة فقدمت لنا روايتها الناضجة "الطواف حيث الجمر".
الحقيقة ان بدرية الشحي واحدة من جيل النهضة الخليجية لكنها تمثل مع جيلها كتيبة من الأدباء الذين قدموا تجاربَ قصصية شديدة الخصوصية ومنهم على سبيل المثال محمد اليحيائي في "خرزة المشي" ومحمود الرحبي في "اللون البني" التي تضمنت مجموعة من الأقاصيص المحكمة، ويحيى المنذري في "نافذتان لذلك البحر" التي تركز على الجوانب الإنسانية للشخصية العمانية، بينما يغوص خالد العزري في اعماق المجتمع العماني من الداخل وتقاصيل تأثير التراث الاجتماعي على المواطن العماني المعاصر، وغيرهم من الأسماء على سبيل المثال لا الحصر: علي المعمري ويونس الاخزمي وسالم آل تويه ومحمد البلوشي وغيرهم .
والشعراء اصحاب التجارب اللاقتة زاهر الغافري و محمد الحارثي وناصر العلوي وعبد الله البلوشي وسواهم ممن تحول العوائق السابق ذكرها عن وصولهم للمثقق العربي في أرجاء المنطقة العربية مع بعض الاستثناءات، او تكوين حركة النقد العربية وجهة نظر في ابداعاتهم .
حصار اعلامي
في السعودية ايضا ستجد اجيالا جديدة من الكتاب من امثال عبده خال ومحمود تراوري ونوره الغامدي ولا يبدو ان الحصار الإعلامي العربي وصعوبة انتقال الكتب هما السببان الوحيدان لعدم حضورهم وغيرهم من الكتاب على الساحة الثقاقية العربية بشكل بارز ॥ اذ يبدو ان هناك عوامل داخلية كثيرة ।

نشرت صحيفة الوسط في عددها رقم 550 عدد من شهادات بعض هؤلاء الكتاب عن الموضوع نلتقط من احداها والتي تخص الكاتب محمود تراوري:" الرواية في السعودية ليست وليدة اليوم بحسب كثير من الدراسات والبحوث، طبعا مع التوقف عن الموقف النقدي منها او الحكم القيمي . ومعظم الباحثين يكادون ان يجمعوا على ان القفزة التالية من محاولات ابداع الراوية في السعودية بعد تجارب حامد دمنهوري وحمزة بوقري وابراهيم الناصر وباقتراب عذب من تخوم الرقعة في هذا الفن بدأت مع عبد العزيز مشري في أواخر الثمانينات حين اصدر "الغيوم ومنابت الشجر" ولحقته رجاء عالم منذ انطلاقتها في رواية " 4/صقر " .
لكن الصحاقة لم تول هذا الأمر كبير اهتمام لانها كانت منشغلة حينها بموضة اخرى تصطرع حولها فانتظر المجتمع احدا يقدم له الرواية
. اما مشكلة الأجيال فيعلق عليها في العدد نقسه الكاتب عبده خال قائلا:"عند الحديث عن الأجيال الروائية في السعودية ففي هذا الجانب سأتحدث عن نقسي وأقول انني منبت ليس لي علاقة بمن سبقني من الروائيين السعوديين ولم أتتلمذ على اي منهم سواء كان حياً او ميتاً وبالتالي فانا غير مكترث وغير معترق بان هناك اجيالاً روائية لانني جئت من خارج المتن الروائي السعودي .. جئت من عوالم منحتني زخمها وتألقها من خلال اسماء عربية وعالمية ليس هناك رواية ناضجة في السعودية، فكل روائي له مثالب يمكن ان يسقط قنيا حيث تمحص تلك الأعمال".
ومثل هذه الشهادة ستكون خيطاً لتعليق الناقد فاروق عبد القادر حول ما قرأه لكُتَّاب من الخليج حيث يرصد ملاحظتين اساسيتين: الأولى انه بشكل عام ما تزال الحدود قائمة بين الأقطار العربية في حركة الكتاب مما يجعل متابعة الإبداع بشكل جيد مسألة بالغة الصعوبة وقد لا يصلك هنا في القاهرة ما يصدر في ابو ظبي مثلا إلا بجهد شخصي او اتصالات شخصية، او بالصدقة . والصدقة لا يمكن لها ان تحقق سوى بعض القراءات العشوائية هنا وهناك . وهذا يحتاج إلى مؤسسات توزيع قوية تستطيع ان تتغلب على قيود حركة الكتاب العربي.اما الملاحظة الأخرى فتتعلق بالموضوعات التي تثيرها كتابات الكتاب الخليجيين ممن قرأت لهم وهي لا تخرج عن موضوعين هما تصوير العالم القديم قبل النقط اي المجتمع الخليجي الرعوي او القائم على الصيد واللؤلؤ وفيها ترى اعمال ليلى العثمان مثلا الصيادين وتفاصيل الحياة في الكويت القديمة وحتى يرى كتاب من الإمارات مثل عبد الحميد احمد وغيره تصوير تأثير النفط على الحياة الجديدة.عبد الرحمن منيف في مدن الملح اهتم بالقضيتين معا من خلال تتبع دقيق لهذا التحول في خماسيته الشهيرة .. فهذا هو الموضوع الأساسي وشغل اكثرهم الشاغل . وهذه الأعمال يغلب فيها الجانب الخاص على العام أي انها تكون خاصة بالبلد التي يتم تناوله ولا يمكن تعميمها وقليلون هم الذين يترفعون بها.النقد وموقف الحيرةوالحقيقة اننا لا يمكن ان نلوم الناقد العربي على تقصيره في الاهتمام بأعمال الكتاب في الخليج في ضوء تقصير المشهد النقدي الخليجي نفسه ..
وهذه على سبيل المثال شهادة للكاتب ابراهيم ناصر الحميدان يقول قيها:"للاسف النقد لدينا لا يواكب مطلقا الإصدارات الجديدة بدليل اننا خلال عامين لم نقرأ دراسة جادة عن اي عمل ابداعي ما عدا محاولات الناقد د. عالي قرشي في تخصصه بالكتابة عن اصدارات رجاء عالم اخيرا والتي لا أعلم مدى موضوعيتها ان النقد لدينا اتخذ موقف الحيرة والصمت امام اصداراتنا الروائية وادى ذلك إلى طرح اعمال روائية ضعيقة كما اشرت إلى ذلك، وهو ما لا تستطيع تفسيرا له وان كان يعني الاستهانة بالمشهد الثفافي المحلي وعدم الفاعلية في اجوائه ترقعا او تهميشا لواقعة ولعل هذا لا يتفق مع دورهم في الحركة الثقاقية وصلب الرسالة التي يحلمونها للفكر المحلي خصوصا والعالمي عموما".
يضيف الكاتب ابراهيم ناصر بشهادته هذه دليلا آخر على دور الإعلام المحلي في بعض دول الخليج في التعتيم-سواء كان مقصودا ام غير مقصود- على الكتابات الجديدة وفرز الجيد منها وابراز الأصوات الجادة، واذا كان هذا هو الحال في المنطقة فما بالك بها في الخارج ؟
الناقدة الدكتورة منى طلبة تشير إلى بعد آخر بالنسبة لمعرقة المثققين المصريين بالكُتَّاب العرب وكُتَّاب الخليج بشكل خاص وهو يتعلق بحضورهم إلى القاهرة وتعرفهم على الكُتَّاب المصريين وهو ما يتيح الفرصة بالقعل لكن يظل ذلك في اطار شخصي اما بالنسبة لدعوة هيئة الكتاب لبعض هؤلاء الكتاب خلال معرض الكتاب فهو يتم بشكل محدود وغير منظم والأسماء التي تدعى يتم تكرارها بشكل مستمر ..وهناك بالفعل مجموعة من الأسماء التي يعرفها المثقفون في مصر لتواجدها هناك مثل الشاعرة الإماراتية ميسون صقر والكاتبة الكويتية ليلى عثمان والسعودي تركي الحمد والكويتي اسماعيل فهد وفاطمة العلي بدرجة ما وغيرهم اضاقة لبعض الأسماء التي سعت للنشر لدى دور نشر مصرية مثل الشاعر الإماراتي محمد المزروعي والكاتب علي ابو الريش، والعماني علي المعمري والبحرينية فوزية رشيد والقطرية سعاد الكواري او هدى النعيمي وغيرهم ..ولكن تظل هذه التجارب ايضا محدودة وغير منتشرة على مستوى جماهيري.وتقترح د. طلبة مجموعة من الاقتراحات لرقع التعتيم الإعلامي عن ادب الخليج بقيام مؤسسات الثقافة الخليجية بعمل نوع من التوثيق الموسع المصنوع بشكل محترق يتضمن كاقة اصدارات الخليج من الأعمال الإبداعية ونبذة عن كل كاتب وبحيث يتم توزيع على الجهات النقدية والأكاديمية والمؤسسات الثقافية في العالم العربي .كما تقترح عرض نصوص الكُتَّاب وخاصة من الأجيال الجديدة عبر مؤسسات ثقافية للكتابة عنها بشكل موضوعي ومحايد تماما بما يثري الحركة النقدية والإبداعية اي يحقق سدا لهذه الثغرة الواضحة لأن تقدم مصر في مجال الدراسات النقدية يحملها المسئولية والعبء ويجعل هذا الاقتراح مطلبا استراتيجيا لان عدم الالتفات اليه قد يعني استيراد مصر لنماذج غير ناضجة .
وتقول منى طلبة انه فيما يتعلق بالأدباء الشباب بشكل عام لابد ان تقوم المؤسسات الثقاقية في مصر والدول العربية بعمل ورش ابداعية لهم تساهم في اعدادهم بالاقتراحات لقراءة اهم وأمهات الكتب التي ينبغي على كل اديب او مشتغل بالأدب ان يتعرف عليها واعداد الشعراء والشباب بدراسة العروض حتى لو اتجهوا لقصيدة النثر لانه لا يمكن ان تكون هناك حركة ابداعية مميزة لمبدعين غير مكتملي الأدوات .
وتقول طلبة انه قيما يتعلق ببعض الجهات العربية التي تقيم مسابقات ثقاقية وابداعية عليها ان تقيم نوعا من الجلسات عقب اعلان الجوائز لتوضح معايير اختيار الأعمال القنية والإبداعية الفائز، واسباب استبعاد الأعمال التي لم تحظ بالقوز بحيث يقهم اصحاب هذه الأعمال الثغرات او السلبيات الموجودة في اعمالهم وبالتالي تتحقق قائدة كبيرة للجميع ويحدث نوع من التطور في أداء كل مبدع او كاتب شاب .. وهذه الملاحظات اذا اخذت بعين الاعتبار فمن شأنها ان تؤدي إلى نوع من التراكم في المستقبل وبحيث يتحقق نوع من العدل في حقوق كتاب الخليج خاصة الشباب في الفراءة والانتشار عربيا وعالميا
.@ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام