السبت، 21 فبراير 2015

الكاتب العُماني يحيى المنذري: ننتظر إنشاء المجمع الثقافي بقيادة مبدعين

http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/cfa8eaaa-ad49-4b74-a51d-6bf95ecf1a0f


مسقط -"الخليج":
تمتد تجربة الكاتب والقاص يحيى المنذري لأكثر من عشرين عاماً قدّم خلالها أربع مجموعات قصصية فقط بدأها ب"نافذتان لذلك البحر" في العام 1993 وكان حينها في سنته الدراسية قبل الأخيرة في الجامعة، لتأتي أعماله الأدبية بعدها متباعدة وقليلة، المجموعات القصصية الأخرى للمنذري هي "رماد اللوحة" التي صدرت عن دار المدى في دمشق عام ،1999 ثم مجموعة "بيت وحيد في الصحراء" وصدرت عام 2003 . ثم مجموعة "الطيور الزجاجية" التي صدرت عن دار نينوى في سوريا في العام 2010 . ورغم تباعد إصداراته إلا أن المنذري حاضر في الأمسيات والملتقيات والندوات العلمية والأدبية داخل وخارج سلطنة عمان . وله العديد من القصص والمقالات المنشورة في صحف محلية وعربية ودوريات ثقافية .
* بدأ يحيى المنذري الكتابة قبل أكثر من 20 عاماً، هل حقق ما كان يصبو إليه، ولماذا يأخذ وقتاً طويلاً بين الإصدار والآخر "المجموعة الأولى عام 1993 والثانية بعدها بست سنوات"؟
-هناك أسباب كثيرة لذلك، أهمها الحرص على أن يكون الإصدار متميزا من ناحية الأفكار والأسلوب، وأنا هنا لا أدعي بأن إصداراتي متميزة، ولكنني أحرص على تميزها بقدر الإمكان، لا يوجد لدي ذلك الاقتناع السريع بالقصة بعد كتابتها فلا بد أن تمر بمراحل عدة لتجد طريقها إلى النشر، فأحرص كثيرا على إعادة كتابتها أكثر من مرة وتنقيحها ومراجعتها من ناحية اللغة، وأتركها فترة من الزمن ثم أرجع إليها، وقد أكتشف بأنها بحاجة إلى مزيد من التنقيح وربما إضافة أو شطب مشاهد وأحداث، ولذا تتأخر كثيرا هذه القصة حتى ترى النور، بينما هناك كتّاب يخوضون مغامرة النشر السريع ونجد لديهم غزارة في النشر . 
أنت عاشق للفن التشكيلي وهو حاضر في كتاباتك، إلى أي مدى يستسلم يحيى المنذري أمام تحقيق ما يحب، وهل ترى أن توظيفك للفن التشكيلي في لوحات مكتوبة قد حقق بعضا من طموحاتك أو أحلامك لنقل .
في حالة الفن أعتبر الاستسلام موتاً، فالإنسان طالما لديه حياة وعقل ناشط وإحساس فلن يستسلم في تحقيق ما يصبو إليه . الفن التشكيلي هو جزء من الأدب والفنون الأخرى، ويشكل معها لوحة إنسانية تدعو إلى التعلم والاستمتاع والرقي بالأخلاق . النظر والتأمل في لوحة كقراءة القصة وتأمل فكرتها وأحداثها، الألوان خلقت في الطبيعة وتتجلى في السرد بأنواعه وفي الشعر والموسيقى . وتوظيفي للفن التشكيلي في القصة القصيرة جاء في سياقه الطبيعي نتيجة التعامل مع الفن والأدب .
* كيف يرى يحيى المنذري واقع الكتابة والكتّاب اليوم في سلطنة عمان؟
-هناك تطور ملحوظ في نشر الأعمال السردية والشعرية في سلطنة عُمان، وفي الآونة الأخيرة بدأت الرواية تأخذ دور الطليعة في النشر إلى جانب القصة القصيرة والشعر اللذين تراجعا قليلاً . وهناك بعض كتّاب القصة والشعر تحولوا إلى كتابة الرواية، وهناك روايات تستحق الإشادة ولكن عددها قليل لا يتعدى عدد أصابع اليد . ولكنني أتوقع أن هذا الكم من الإصدارات سيتوج بروايات جادة وعميقة، وسيتوج بروائيين لا يقلون أهمية عن كتّاب كبار ومعروفين . ومن وجهة نظري فزيادة عدد إصدارات الرواية ليست فقط في سلطنة عُمان بل على المستوى العربي الذي يتسابق فيه الكتاب من أجل التميز والإبداع، وربما كان للمسابقات الكبيرة في مجال الرواية دور في التحول إلى السرد . وهناك أيضا أعمال متميزة في مجال الترجمة ولكنها قليلة، وأتوقع أن تزداد في الأعوام المقبلة وخاصة إذا ما تم التفكير في إنشاء جهة تعنى بالترجمة في السلطنة .
ولكن مع الأسف الشديد لا يزال مستوى نشر الدراسات والبحوث ضعيفاً جدا، فالبلد بحاجة إلى هذا النوع من الإصدارات في المجالات النقدية والفكرية والعلمية والعلوم الإنسانية، فهناك قضايا وظواهر كثيرة تستحق الدراسة والبحث . وهناك ندرة في الإصدارات السياسية والإقتصادية والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي . وفي اعتقادي عند إنشاء المجمع الثقافي المنتظر في سلطنة عمان، سيكون له دور مهم وفاعل في تسريع الحراك الثقافي العماني، ولن يقوم هذا المجمع بالدور المنتظر منه إلا حينما يديره مثقفون أكفاء، ويُدعم معنوياً ومادياً .
* إلى أي مدى يحمي المجتمع العُماني الإبداع ويحرص على توفير مساحة من الحرية للكتّاب العُمانيين، خاصة وأن المجتمع مازال يحاكم بطريقة غريبة بعض الكتّاب على أفكارهم ولا ننسى مؤخراً ما حصل مع الكاتبة بدرية الاسماعيلية ومجموعتها ملح؟ ما رأيك؟
-المجتمع العُماني مثل المجتمعات العربية الأخرى، يحتوي على عقول تختلف في مستوى ثقافتها وتفكيرها، فهناك طبقة مثقفة ومتعلمة وقارئة ونظرتها متحررة تجاه الإبداع في مختلف مجالات الأدب والفكر الديني والمجالات العلمية والاقتصادية والسياسة، ولديها ذوق وحس فني، ولديها توق عميق إلى المعرفة، وتطمح إلى التميز، وهذه الطبقة هي التي يعول عليها المجتمع لينمو ويتطور ويتميز، فطالما وجد عقل يفكر ويبتكر ويبحث ويكتشف وجدت السعادة . وفي الجانب الآخر توجد طبقة ضيقة التفكير ولديها طبيعة إساءة الظن بالآخر، وتسيء فهم الإبداع، ورغم حصيلتها من العلم إلا أنها ترفض التفكير، ولا تريد استعمال العقل بطريقة إيجابية وفعالة، هذه المجموعة هي التي تجر المجتمع إلى الوراء وتحاول تقييده وربما دفنه في الفكر الظلامي الدامس .
* هل تعتقد أنه مازال للأدب دور أو حضور فاعل اليوم، خاصة في ظل الأزمات التي تعيشها بعض بلداننا العربية؟
-الأزمات هي التي تولد الإبداع والأدب لا يقل أهمية عن حقول المعرفة الأخرى، والتاريخ يشهد على ذلك، فمثلا الرواية والقصة والشعر شكلت ملاحم معرفية وفنية، ومنابع للخيال والابتكار، وأسهمت في تنمية الوعي المجتمعي والثقافي والناجح هو من يستطيع اجتياز الأزمات بالصبر والتفكير والعمل الجاد .
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/cfa8eaaa-ad49-4b74-a51d-6bf95ecf1a0f#sthash.qQqVB9kB.dpuf

الاثنين، 12 يناير 2015

قصة قصيرة " جدران ومرايا "


يحيى سلام المنذري

في الصباح الباكر من يوم الجمعة فتحت الباب الزجاجي لمحل حلاقة الشعر ودخلت. كانت رائحة بخور العود الهندي الرخيص تملأ المكان، رمقت خيط الدخان يتلوى من خشبة نحيلة احترق نصفها وتناثر رمادها، أصبحت هذه الرائحة تصيبني بالقرف إلا أنني كالعادة أتجاهلها، كان هناك الكثير من الزبائن ينتظرون دورهم، الجدران مغطاة بالمرايا الزجاجية والأرضية مغطاة بالشعر. رميت جسدي على أحد كراسي الانتظار في مكان يبدو من الوهلة الأولى أنه هادئ، لم يكن هناك صوت ينبعث من التلفاز، وهذا شيء مريح لكي أتمكن من قراءة الكتاب الذي جلبته معي وحتى أستحوذ على قدر كاف من التركيز أثناء انتظار دوري.
فتحت كتابي وبدأت أقرأ، بينما جميع المنتظرين يمارسون عادة النظر إلى الحلاق حينما يقص شعر الزبون، وآخرون يتثاءبون أو يطالعون بعض الصحف أو المجلات الملونة القديمة المرمية بدون ترتيب على الطاولة الزجاجية أمام الكراسي العتيقة، كان على يميني شاب بملابس النوم ينظر إلى هاتفه النقال ويضحك، بينما على يساري رجل كان ينظر إلى السقف طوال الوقت وكأنما يبحث عن شيء مجهول ولكنه سرعان ما تلقى دعوة من الحلاق وذهب إلى كرسي الحلاقة، ظل مقعده شاغرا لمدة وجيزة حتى جاء رجل ذو لحية بيضاء وجلس بجانبي، اندهشت من وجود "المصر" على رأسه في يوم الجمعة. فجأة أشعل الحلاق تلفازه وانبعثت منه حوارات هندية صاخبة يتخللها في بعض الاحيان أغان وموسيقى، تجاهلت كل ذلك لأن موضوع الكتاب استحوذ على اهتمامي، كنت أقرأ في الصفحة اليمنى من الكتاب أما الغلاف الأخير فكان يواجه الرجل صاحب المصر، لاحظت بأنه أخذ يقرأ ما كتب على الغلاف الأخير، تعمدت الإطالة في القراءة وأعدت قراءة بعض الفقرات لأعطي الرجل فرصة لمشاركتي قراءة الغلاف الأخير الذي يعرض ملخصا عاما وقصيرا عن موضوع الكتاب، وطبعا أنا لم أقرأه بعد لأنني قد تعودت أن أترك قراءته بعد أن أنهي قراءة كل الكتاب.
قرأت تلك الصفحة مرتين حتى ينتهي الرجل من قراءة الغلاف، وبعدها انتقلت إلى قراءة الصفحة اليسرى وبذلك تم إخفاء الغلاف الأخير تحت يدي اليسرى، وهكذا قطعت على صاحبي متعة تلصصه بدون أن أعرف طبعا إن كان قد انتهى منه أم لا، بادرتني رغبة لقراءة ما كتب على الغلاف الأخير، لكنني أجلت الموضوع حتى لا يشعر الرجل بأنني كشفت سره في التلصص على كتابي، كنت أشعر به ينتظرني أن أنتهي من الصفحة اليسرى من الكتاب، لأنه تارة ينظر إلى الحلاق والزبائن ثم يرجع برأسه ناحية كتابي ليجد بأن الغلاف الأخير ما زال مختبئا. يبدو بأن موضوع الكتاب المدون في الغلاف جذبه وأثار اهتمامه. قررت أن أسرع في قراءة تلك الصفحة حتى أكتشف ماذا سيحدث حينما ينتهي من قراءة الغلاف، هل سيفتح بابا للنقاش حول الموضوع؟ هل سيسألني عن الكتاب والكاتب؟ هل سيسألني عن اسمي وعن اهتماماتي؟ ربما هو شخص لديه اهتمامات مشابهة. أنهيت الصفحة وقلبتها وبدأت في الصفحة التالية وبذلك هيأت الغلاف الأخير وعرضته متعمدا عليه وهذه المرة هيأته بطريقة أوضح ورفعته إلى أعلى، وكأنني أقف الآن أمامه وأقول له هيا إليك الفرصة الآن للقراءة وعليك أن تستغلها. وكما توقعت فإن الرجل غاص في المعلومات المكتوبة وهذا بالطبع دليل على أنه لم ينته من قراءته في المرة الأولى، على الفور توقعت بأنه سيسألني عن الكتاب أو سيطلب مني رقم هاتفي ليستعير مني الكتاب.
كانت الأغاني الهندية تزداد صخبا، وخشبة العود النحيلة لم يبق منها سوى جزء ضئيل. ثم قررت بأن أنهي قراءتي للكتاب عند ذاك الحد حتى أتيح له فرصة للكلام. وحينما أغلقت الكتاب، فاجأني بحديثه وقال بإبتسامة ماكرة: “هذا الحلاق هو الوحيد الذي يفتح باكرا في يوم الجمعة” رددت عليه بابتسامة وقلت له: “نعم..هو كذلك”. وبعد صمت وبدون أن يشير إلى الكتاب قال بسخرية: “يقولون حضارة.. واليوم سمعت بأن الحكومة قررت منع الذهاب إلى مكان العزاء وقت الدوام الرسمي”. فكرت في الشطر الأول من كلامه وكان يتعلق بموضوع الكتاب الذي أقرؤه، ولكن الشطر الثاني لا يمت بصلة الى موضوع الكتاب رغم أنه قام بربط الحضارة بالخبر الذي سمعه. قلت له: “هل هذا صحيح؟ غريب”. رد بحماس: “نعم صحيح لقد تيقنت من الخبر”. عند هذه النقطة أشار الحلاق إلي بأن دوري قد حان، استأذنته وظننت بأنه سيطلب مني الكتاب حتى يأتي دوره هو الآخر، لكنه لم يفعل ذلك، فاستأذنته وأخذت كتابي معي وتوجهت إلى كرسي الحلاقة، تركته مع المنتظرين يحدقون في الحيطان والحلاق وهو يقص الشعر، وكنت متشوقا حتى أنتهي وأخرج لأقرأ غلاف الكتاب وما كتب عليه، ولكنني كنت مستاء لأنه لم يطلب مني الكتاب لتصفحه حتى لدقيقة واحدة فقط.

من مجموعة الطيور الزجاجية 2011

قصة "الطاحن الأول"