الجمعة، 30 أكتوبر 2009
الخميس، 29 أكتوبر 2009
الأحد، 25 أكتوبر 2009
إرشيف صحفي 14
الجمعة، 23 أكتوبر 2009
الأحد، 18 أكتوبر 2009
طائرة تبدد لون السماء
يحيى سلام المنذري
في وقت الظهيرة كانت جدران البيت الخشبية هادئة لأن الطقس لا يعكر صفوها بالرياح. وكان حمود ببشرته الحنطية يحلم بركوب أرجوحة في حديقة خضراء طقسها بارد ومليء بالرذاذ. لكن أمه أيقظته فجأة، فأحس بالعرق يتصبب منه. وقالت له: ((هيا قوم.. اليوم موعد الموكب)). لم يفهم كلامها ولكن النشاط دب في جسمه الطويل ونسي الحلم والحر ، وركض كالأرنب ولبس نعليه. أمرته أمه بأن يأتيها "بالترمس" الصغيرة التي وضعت في المطبخ.
في وقت الظهيرة كانت جدران البيت الخشبية هادئة لأن الطقس لا يعكر صفوها بالرياح. وكان حمود ببشرته الحنطية يحلم بركوب أرجوحة في حديقة خضراء طقسها بارد ومليء بالرذاذ. لكن أمه أيقظته فجأة، فأحس بالعرق يتصبب منه. وقالت له: ((هيا قوم.. اليوم موعد الموكب)). لم يفهم كلامها ولكن النشاط دب في جسمه الطويل ونسي الحلم والحر ، وركض كالأرنب ولبس نعليه. أمرته أمه بأن يأتيها "بالترمس" الصغيرة التي وضعت في المطبخ.
سألها بدهشة: (( لماذا؟)).
وبعد أن إستخدمت لحافها في مسح قطرات العرق من على جبينها أجابته وقالت: (( سنملأها شربت الفيمتو(1)..وقد إشتريت الثلج)).
أحس بعطش وتمنى شرب عصير الفيمتو مثلجا، وبعد أن جلب الترمس أضافت الأم وقالت: ((هذا سنبيعه للناس الذين سيحضرون لمشاهدة الموكب)).
سألها: ((ما هو الموكب؟ )).
((ستعرف هناك)). أجابته بسرعه بينما كانت تسكب الماء في الترمس وتخلطه مع قطع الثلج والسائل الأحمر الغليظ ، كانت تعمل بنشاط وسرعة، رغم إفتقادها لزوجها الذي رحل منذ سنوات ولم تعرف عنه شيئا. وقد أوهمت حمود بأن أبيه سافر إلى الهند في رحلة عمل وسيعود، وحمود ما يزال ينتظر عودة أبيه من البلاد البعيدة والتي لا يعرف عنها شيء سوى الحلويات ذات نكهة النارجيل التي تذوقها حينما رجع خاله راشد ذات يوم من الهند.
حمل حمود كيسا به أربعة كؤوس بلاستيكية ، والأم لبست نعليها وحملت الترمس وإناء يحتوي على ماء لغسل الكؤوس، وذهبا ناحية الشارع المسفلت حيث زحمة الناس واقفين وجالسين على الأرضية المتربة بمحاذاة الشارع. سؤالان ناوشا رأسه: ما قصة هؤلاء؟ وما الفائدة التي سيجنونها من وقوفهم في هذا الحر؟ حين وصلا إلى هناك إنشغلت الأم بالبحث عن مكان تضع فيه عدة العصير ، بينما هو أخذ يبحث عن منفذ لرؤية الموكب، كان الناس مثل أحجار رصت حول الشارع ، الرجال يلبسون دشاديش أغلبها يحمل اللون الأبيض والنساء بعبايات سوداء ، بينما الأطفال يبدو أنهم غير عابئين بشيء لأن حدثهم الأكبر هو اللعب بالتراب والحصى والكرة. الناس هناك يتجرعون الانتظار والعطش ، وقد عرفوا بأن الترمس لبيع "الشربت" البارد. وضعت الأم الترمس على حجر مسطح وبدأت تبيع العصير البارد ذو اللون الأسود. وكان هناك فتاة صغيرة تبيع الحلويات للأطفال. وهناك إمرأة بدينة عملاقة تبيع عصير البرتقال ورجل مسن منحني الظهر يبيع الماء البارد.
كان مصدر رزق أم حمود هو خياطة الملابس النسائية في بيتها ، ودائما ما تتذكر زوجها حين دخل عليها منذ سنوات وهي بالغرفة بهيئته العملاقة حاملا على ظهره بندقية عتيقة وحقيبة صغيرة، على الفور أحست بالقلق يسري في فؤادها ، لم تتكلم ، فقط كانت تحدق في هيئته المزرية تلك ، تسجل قامته وتجهم وجهه المتعرق مع تلك البندقية، تخزن الرائحة الكريهة التي تنبعث منها ومن الحقيبة.
نظر إليها بحدة وقال لها:
((إسمعي يا حرمة .. أنا راحل.. حمود أمانة عندك .. كلها كم شهر وأرجع .. لا تخبري أحد)).
أغلق الباب وراءه ورحل ، تركها مع ولدها الصغير ، ولكنها ما زالت تتساءل لماذا لم تدمع عيناها في ذلك الوقت؟ رحل ولم يرجع حتى الآن، ربما بلعه البحر، وربما خطفته حورية جميلة وعاش معها على ضفاف الشواطيء الهندية.
كان حمود متلهفا لرؤية شكل الموكب ، والشربت بدأ ينقص وينقص وكأنما الشمس هي التي تشربه، وبإلحاح شديد شرب آخر كأس من "الفيمتو" وأحس بأن كل شي أصبح باردا، بعد ذلك جلست أمه مع أخريات إفترشن التراب تحت ظل شجرة. بدأ يبحث عن منفذ ولو صغير بين الأحجار البشرية المتراصة ليكتشف الموكب ، حاول أن يجد ثقبا يمر منه، وهو يتسائل:((هل ينتظرون فلوس؟)). سمع رجلان يتحدثان عن موعد مرور الموكب وأن هناك ضيفا كبيرا ، كان جدالهما صاخبا ، فالأول يزعم بأن موعد الموكب بعد نصف ساعة والثاني يؤكد بأنه لم يتبق سوى عشر دقائق فقط. ثم حدثت جلبة صاخبة بسبب سقوط بائع الماء ، تنبه الجميع للحدث وعلى الفور جاء رجل قوي يشبه الثور حمله كطفل نائم وأودعه داخل سيارة "بيك أب بو غمارتين" كانت تقف قريبا من التجمع، ثم صنعت غيمة من الغبار بعد أن ولت مسرعة بعيدا عن الشارع المسفلت. إنتزق قلب حمود من أثر سقوط الرجل الضعيف وتمنى أن لا يكون قد فارق الحياة، وقد تذكر الآن بأنه رغم وجهه المتغضن فقد كان كثير الابتسامات . ثم سمع حمود صوتا جهوريا يقول : ((مسكين .. سقط بسبب الشمس والوقوف)) ، وبقلق توجه حمود بنظره إلى أمه التي جلست تحت ظل الشجرة فاطمأن عليها.
وفجأة ساد الصمت بين الرجال والنساء وتحولوا إلى أصنام ، بينما إستمر الأطفال يعزفون المرح والصخب ، أيقن حمود على الفور بأن تلك هي إشارة وصول الموكب إلى منطقتهم، وبسرعة نجح في إدخال رأسه بين رجلين ، ومن هناك رأى الشارع خاليا من السيارات ، وهذه أول مرة يشاهد شارعا وحيدا بدون عجلات سوداء وعلب حديدية تسرع وتزأر، وفي الاتجاه الآخر من الشارع كان هناك أيضا سورآخر صنع من لحم ودم ، وبعد قليل إنكشفت من بعيد سيارات ودراجات شرطة تقدمت مسرعة وأطلقت صفيرا حادا، لكن المشهد إنقطع فجأة لأن أحد الرجلين أخرج رأس حمود عنوة ليجد نفسه خارج السور، لكنه صمم على محاولة اختراق الحاجز البشري مرة أخرى وإذ به يحشر رأسه هذه المرة بين إمرأتين مكتنزتين تفوح منهما رائحة السمك ليشاهد سيارات كثيرة زرقاء لم يستطع أن يتبين أحد فيها لأنه سرعان ما ركل خارجا ، حاول أن يقف ويمشي مرة أخرى باتجاه الشارع ، لكنه تعثر بحجر وسقط ، فشاهد السماء زرقاء صافية ، وقبل أن يستمتع بالمشهد ظهرت طائرة مروحية اخترقت صفائها ، فتبدد لونها واستحال إلى رماد، نهض حمود من سقطته ليسمع صوت أمه تنادي عليه ، شاهدها واقفة بجانب الترمس وأدوات العصير، كانت مثل حمامة تدعوه لتحمله على جناحيها وتطير به إلى البيت، إتجه ناحيتها وحمل معها عدة العصير ، لكنه لم يلتفت خلفه ليشاهد ماذا سيحدث بعد مرور الموكب وما إذا كان الناس سيظلون هناك في إنتظار شيء آخر أم سيعودون إلى بيوتهم سعداء ، كل الذي يعرفه الآن بأنه موجود مع أمه بأمان ، يعودان إلى البيت لكي يشعلا السراج بسائل الـ((حل تراب(2) )) لإبعاد كمية ولو قليلة من الظلام. إنتابته سعادة مؤقته حينما تذكر بأن أبيه سيعود وسيجلب معه هدية السفر إلى جانب الحلويات الهندية. ومع كل خطوة يخطوها يشعر برغبة قوية في إحتضان أمه.
1 الشراب أو العصير(عصير التوت)
2 سائل الكيروسين
السبت، 17 أكتوبر 2009
الجمعة، 16 أكتوبر 2009
الأربعاء، 14 أكتوبر 2009
الاثنين، 12 أكتوبر 2009
الأحد، 11 أكتوبر 2009
الأربعاء، 7 أكتوبر 2009
البحث عن العبقرية...دور الأنشطة الطلابية في تنمية شخصية الطالب الجامعي
يحيى سلام المنذري
إستهلال
في الماضي دمرت اليابان بواسطة القنبلتين الذريتين في هيروشيما وناجازاكي ، واستطاعت بعد ذلك ان تداوي جراحها وتقف من جديد معتمدة على نظام تعليمي متطور لتصبح من أكبر الدول الصناعية، حيث أن ".. معدلات التعليم العالية ، ومستوياته الممتازة ، من أهم الأسباب التي تقف وراء نجاح اليابان في مواجهة تحديات الغرب المتفوق في القرن التاسع عشر تكنلوجيا على اليابان ، وما أعقب ذلك من وصول اليابان إلى مركز الزعامة الاقتصادية. والواقع أنه لا يوجد سبب رئيسي ، أو أساسي لنجاح اليابان أكثر من نظامها التعليمي"(1). ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه، هل حدثت مثل هذه الطفرة في الدول العربية؟ وما ينطبق على التعليم ينطبق على الأنشطة الطلابية التي تحتضنها مؤسسات التعليم ، التي لا بد أن يعتنى بها لارتباطها القوي بالعقول الناشئة ، لهذا فالنشاط الطلابي طريق نحو اكتشاف العبقرية والشخصية السليمة والواعية.
التعليم .. أهم أنواع الاستثمار
تبدأ أولى خطوات الاستثمار من العناية وتعليم الاطفال، ويمر بالتعليم الإبتدائي والمتوسط ، ويستمر حتى الدراسات العليا. وشرط نجاح هذا الاستثمار أن تكون طرق التعليم في جميع هذه المراحل مرنة وصالحة للمستقبل ، وغير جامدة ، وتتوهج ثقافة وفكرا ونشاطا ، ويصاحبها تجديدا مستمرا بطرح مناهج جديدة تواكب جميع التطورات العلمية والتكنلوجية. وبمعنى أوضح يجب أن يكون التعليم من أجل استخدام العقل في التفكير وليس من أجل الحفظ والاستنساخ ، ولا يتحقق ذلك إلا بتطبيق المناهج المتطورة والمتجددة التي تساعد على التفكير والابتكار. وقد أشار حارب في كتابه "مستقبل التعليم وتعليم المستقبل" إلى " أن التربية في البلاد العربية تحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة ، كما تحتاج إلى دعم ومساندة، ... ولا يمكن أن نبدأ قرنا جديدا بما نحن عليه من واقع تربوي)، كما أشار أيضا إلى أن الحياة التربوية في العالم العربي تعاني( من نقص في الإمكانيات من أجهزة ومختبرات وأماكـن للنشاط المدرسي ، وعدم توفر فرص التعليم الجيد لأبنائنا من خلال اكتساب المهارات ووسائل التعليم الذاتي "(2) .
فقطاع التعليم بكل انواعه يحتاج إلى رصد أكبر الميزانيات المالية له ، ليتكشف المعنى الحقيقي للعلم والمعرفة.
الأنشطة الطلابية
النشاط الطلابي ، اللاصفي تحديدا ، سواء كان في المدرسة أو الكلية أوالجامعة ، يعتبر عنصرا تعليميا مهما لما له من دور في التعليم الذاتي وتنمية شخصية الطالب ، وصقل مواهبه ، واشباع حاجاته النفسية ، وتكوين شخصية قيادية قادرة على التصرف في المواقف وقادرة على التفكير السليم والمتزن ، لأن هذا النشاط يحتوي على عنصري التجريب والمغامرة اللتان تعتبران وسيلة للوصول إلى الإبداع. وبمعنى أصح أن هذه الأنشطة تساهم في تكوين العبقرية ، التي تحتاجها الدولة في الاعتماد عليها ورفع شأنها ، كما تعتبر الأنشطة وسيلة في الاندماج مع البيئة والمجتمع والتكيف معهما ، وخلق نوع من التواصل الذي يسهم في توحيد الجماعة واستغلال طاقاتها في انتاج ما يساعد في تنمية وتطور المجتمع ثقافيا واجتماعيا. والأنشطة تعتبر مكملة للمنهج الدراسي الصفي ، كما أنها تشكل متنفسا للطلبة يعبرون من خلالها عن مشاعرهم وأفكارهم، وتساعدهم على التفوق الدراسي والمهني وعلى الاستقرار النفسي بالابتعاد عن ضغط التلقين والتدريس.
والاهتمام العلمي بهذه الأنشطة والتركيز على تطويرها ودعمها يساعد على اكتشاف عقول سيكون لها دور في تنمية المجتمع. لذا يعتبر التخطيط السليم لها ، والدعم المالي المستمر من عناصر نجاح اهدافها.
ولأهمية الأنشطة يطرح نجروبونت سؤالا مهما ويناقشه: " كيف يتعلم الأطفال؟ من الواضح أنه خلال السنوات الخمس الأولى من العمر ، تتم نسبة 100% من عملية التعلم من خلال "اللعب" ..... فأنت هنا تتفاعل مع العالم من حولك ، فقد تقوم بإلقاء ملعقة وتتعلم بذلك شيئا عن قوانين علم الطبيعة "الفيزياء" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ...... والحق أن الطفل يقوم بكل التعلم عن طريق اللعب."(3) .
وكما الحياة وتجاربها تعلم الانسان منذ طفولته وحتى شيخوخته ، تأتي الأنشطة مكملة لهذا الدور التعليمي ، فيكتسب الطالب مهارات عديدة ، قد يكون لقدراته الدور الأبرز والأهم في تميزه خلال ممارسته لهذه الأنشطة خلال الدراسة ، وبعد ذلك تميزه في حياته العملية ، وهذا الدور يستقيه مما تعلمه من طموح وإرداة وجهد ، إلى جانب الشخصية التي اكتسبها.
وتعتبر مؤسسات التعليم العالي بيئة خصبة ومتقدمة لممارسة هذه الأنشطة ، تختلف عن المدرسة من حيث توسعها في الأنشطة لتكون أكثر تنوعا وعمقا وشمولية ، تناسب الأعمار الجامعية الواسعة الأفق ، فتنطلق نحو مساحات أرحب ، وتحاول تخصيب الفكر وتتناول مجالات إبداعية متفردة.
حيث يخرج الطالب من أجواء المدرسة والأنشطة المحدودة ، ويدخل إلى الجامعة متطلعا إلى حياة مليئة بالعلم والاثارة وأصدقاء جدد وفعاليات ومناشط ، واضعا نصب عينيه طموحا لا حدود له من اكتساب المعرفة ، وصفة الطموح هذه يكتسبها الطالب المجتهد والموهوب ، إذ لا توجد هذه الصفة في جميع الطلبة ، فمنهم من يدخل الجامعة ولا يرى غير المنهج فقط ، تاركا خلفه جميع الأنشطة والحياة الاجتماعية الجامعية ظانا في قرارة نفسه بأن الأنشطة قد تبعده عن الدراسة ، دون أن يعي بأنه سيقع في الخسارة ، ودون أن يعرف مدى أهمية اكتساب العلم والمعرفة من واقع التجريب واستثمار الموهبة والاطلاع والاحتكاك بأصدقاء موهوبين ، وربما لا يكتشف بأن لديه موهبة قد تساعده يوما في حياته ، حتى وإن اجتهد وحصد تقدير (ممتاز) فإن هذا لا يشفع له بأن يكون إنسانا ناجحا في عمله أو أن يكون ذو شخصية قيادية ، وربما في الحياة المهنية يتفوق عليه زميلا كان ذو تقدير جيد وممارس للأنشطة وموهوب ، ولهذا " تشير البحوث على عينات معاصرة إلى أن التفوق الدراسي لا ينبىء بالنجاح المهني "(4) .
دور الأنشطة في تكوين العبقرية
كل دولة تنقب عن المواهب المبدعة ، ثم تقوم برعايتها وصقلها وتنميتها ، وإبرازها ، وبالتالي استثمارها ، أي أن تجد مبدعا متميزا بأعمال كبيرة يساهم في تغيير العالم ، يكتب أسمه واسم بلده في التاريخ. والطريق إلى هذا الاكتشاف لا بد وأن يصاحبه إهتمام جاد بالعقول وتوفير كافة الامكانيات التي تحقق الفكر وتطور الذكاء ، ويبدأ ذلك من التطوير في المناهج المدرسية بحيث تواكب العصر المتقدم ، وتزويد المدارس بكافة المقومات من مدرسين ومشرفين مؤهلين ، وفصول دراسية ومختبرات وقاعات الأنشطة الصفية واللاصفية بأفضل المواصفات العلمية، ويمتد كل هذا إلى المراحل الجامعية على أوسع نطاق ، خاصة بأن المرحلة العمرية للطالب الجامعي تتطلب المرونة والاهتمام بشخصيته والسعي لتنميتها لتغدو قادرة على الاعتماد عليها والمساهمة في تقدم حضارة البلد.
وتأتي الأنشطة كعامل مهم في اكتشاف الموهوبين ، وبالتالي في اكتشاف العبقرية لدى بعضهم ، رغم أن المصطلحين ، موهبة وعبقرية ، متقاربان ، ولكن الموهوب ليس بالضرورة عبقريا ، لأن العبقري هو الذي يظل متميزا في مجال موهبته بتقديمه إضافات جديدة للبشرية ، ومكتسبا شهرة يتأثر بها الآخرين ، والعبقري حسب تعريف بعض الباحثين هو " شخص يقوم بالإنتاج عبر مدى طويل من الزمن لعدد كبير من الأعمال التي يكون لها تأثيرها الواضح والكبير على الآخرين لسنوات عديدة "(5) .
والأسباب التي تساهم في إبراز الموهبة من خلال الأنشطة هي:
1-التنافس
بيئة النشاط تساعد على خلق جو التنافس بين الطلبة وتشعل الغيرة بينهم ، فكل واحد منهم يسعى للتفوق والتميز على غيره ، أو يتجاوز من سبقه بابداع أفضل. وهناك عنصر آخر إلى جانب الغيرة وهو الإعجاب بمواهب الآخرين ، ومحاولة تقليدهم والتفوق عليهم.
2-الاحتكاك بالأصدقاء الموهوبين
الأنشطة تولد الكثير من الصداقات ، وتعطي حافزا على العمل الجماعي المتفاهم والمتجانس الذي يوفر تبادل الآراء والاقتراحات ، والصداقة هنا عنصر استقرار نفسي لدى الطالب ، يحثه على الابداع والتميز والتنافس ، كما أنها عنصر مهم لجذب أصدقاء آخرين للمشاركة في الأنشطة.
3-الاعجاب بالمشرف
المشرف على الأنشطة الطلابية له دور مهم جدا في تكوين شخصية الطالب ، قد يساعده على نجاح وتطور الموهبة أو يعمل على إحباط الطالب وبالتالي تضعف شخصيته وتضمر موهبته ، وهذا ينطبق أيضا على عضو هيئة التدريس ومدى تشجيعه أو تثبيطه للطلبة.
ولذلك لا بد من اسناد مهمة الاشراف او إدارة وتنفيذ النشاط إلى موهوبين يتحلون بصفات معينة حتى تكون لديهم القدرة على اكتشاف وتوجيه المواهب الطلابية ، والقدرة على تخطيط وإدارة الأنشطـة ، وكيفية التعامل مع الطلبة ، لذلك على مؤسسات التعليم العالي إلحاق هذا المشرف في دورات تدريبية علمية في مجال التنشيط والارشاد النفسي وإدارة وتخطيط الأنشطة ، ومن الصفات التي يجب أن تكون في المشرف:
- أن يمتلك ثقافة واسعة ، وأن يكون قارئا ومطلعا في شتى جوانب المعرفة ، ومتابعا لكل جديد خاصة فيما يتعلق بعمله.
- أن يتصف بالصبر ، فالطلبة في سن المراهقة وبداية التكوين يحتاجون إلى معاملة خاصة وإلى شخصية هادئة الطباع تحسن توجيههم واقناعهم وتمتص بعض الأفكار النزقة التي قد تصدر عنهم.
- أن تتسم أفكاره وقيادته وإشرافه بالمرونة ، وأن تكون بعيدة عن التعصب أو التطرف أو التعالي ، وعليه تقبل الحوار وأفكار الآخرين ، لأنه يشرف على طلبة ذات مستويات عقلية مختلفة، بالإضافة إلى القدرة على فهم شخصيات الطلبة واحتياجاتهم جيدا ، وإشراكهم في اتخاذ القرارات.
وصفة التعالي والفوقية تنفر الجميع من المشرف سواء كانوا طلبة أو من يعملون تحت إشرافه ، لذا يجب عليه أن يقدم لهم ، إلى جانب خبرته ومعرفته ، الاحترام والأخوة ، ويعمل معهم كفريق واحد ، وبالتالي يكتسب الطلبة هذه الصفات ، وأن يتقبل أفكارهم ويخلق لهم جوا من الحوار والمناقشة ، محاولا بذلك التقرب منهم ليستحوذ على إعجابهم بشخصيته ، وهكذا يكون قادرا على إقناعهم ومحاورتهم وقيادتهم بحيث تسهل عملية استثمار مواهبهم ، وقد أشار نورالدين في دراسة بعنوان (أهمية التنشيط الثقافي والاجتماعي في تأطير الأطفال والشباب) إلى أن المشرف الناجح هو من " يشرك أفراد الجماعة في اتخاذ القرارات دون أن يتخلى عن دوره كقائد وموجه للجماعة، وبألا يقدم نفسه للجماعة كخبير لا يمكن نقده أو إبداء الرأي بشأن الأنشطة التي يسيرها متخذا موقف التعالي على أفراد جماعته. وتؤكد التجربة أن المنشط كلما أشرك أفراد جماعته في اتخاذ القرارات ، كلما نجح في جعلهم يتعاونون معه في تنفيذ برنامجه التنشيطي ، وكلما شعروا بأن هذا البرنامج يستجيب لرغباتهم وحاجاتهم ، وهو شرط ضروري ليكلل تطبيق البرنامج بالنجاح" (6).
- أن يكون موهوبا في أحد مجالات الإبداع ، سواء كانت أدبية أو فنية أو علمية أو رياضية ، لأن لهذا تأثير جيد على الطلبة ، فهو من خلال خبرته يساعدهم بالتوجيه والنصح والارشاد في سبيل تنمية مواهبهم ، وهذا يولد لديهم عنصر الإعجاب والتأثر بمشرفهم ، وسوف يتخذونه قدوة حسنة لهم ، تبدأ من التقليد ، وتصل إلى التجاوز وربما التفوق عليه ، ولهذا "وجود من يُقتدى بهم من المبدعين قد يكون أمرا جوهريا بالنسبة لتطور العبقرية العلمية " (7).
- أن يتصف بموهبة العطاء ، والعمل بمنطلق إنساني دون النظر إلى أمور مادية ، بل يضحي من أجل الجماعة التي يقودها لحصد الانجازات ، واكتشاف المواهب وصنع الشخصيات المتميزة.
- أن يتصف بموهبة الابتكار ، والقدرة على اقتراح أنواع مناسبة وجديدة من الأنشطة.
4-النزعة التجريبية
الابداع يقترن بالتجريب ، وميزة المبدع الأصيل هي التجريب والبحث والاكتشاف والمغامرة ، طموحا نحو الخصوصية والتطور. والأنشطة توفر للطالب مساحة من البحث والتجريب ، وتساعده على التفكير المتواصل ، كنشاط الابتكارات العلمية وعلوم الرياضيات والفيزياء ، وفي مجال الأدب هناك على سبيل المثال فن المسرح الحديث ، والفن التشكيلي وغيره.
5-التعليم الذاتي
إذا اقتصر الطالب في دراسته الجامعية على المنهج المفروض عليه ، ولم يتشعب إلى أكثر من ذلك ، فقد يؤدي هذا إلى قتل أفقه ومداركه وملكة الإبداع لديه ، ويفقد أي فرصة للإبتكار ، وعليه إذن أن يسعى إلى مناطق أخرى يستل منها المعارف كالمكتبة والانترنت وغيرها من الوسائل الجديرة بتوفير مراجع ومعلومات عن المادة التي يدرسها أو عن النشاط الذي يمارسه. فالتعليم الذاتي مساند كبير للموهبة ، وعامل مهم في الإعتماد على النفس وتكوين شخصية قيادية متزنة ، لها قدرة على التفكير والابداع. والعبقرية تعتمد في نموها على بذل جهد كبير في العمل ، التي تأتي نسبته أضعاف الموهبة ، حيث أن فردا موهوبا وعمله الانتاجي قليل جدا ، أقل شهرة من آخر موهوب إنتاجه غزير جدا ومتميز ، حيث الأخير عمل بجهد أكبر من الفرد الأول.
6-المرحلة العمرية المبكرة والغزارة في الانتاج
كلما اكتشفت الموهبة في عمر مبكر ، كلما كان الانتاج غزيرا والعطاء أوفر ، والتأسيس للموهبة يكون أكثر متانة ، والعمر المبكر هذا بلا شك يبدأ من المدرسة ، ومن ثم الجامعة ، وعمر الطالب في بداية العشرينيات هو العمر الأكثر اكتسابا وتعلما وخطأ ، وإذا ما وجد الطالب البيئة المناسبة والمشجعة لتطور مواهبه كان عطاؤه بعد تخرجه من الجامعة يزداد ، وتبدأ عبقريته في التدفق والنضج وبالتالي في الشهرة ، يقول سايمنتن بأن " النضج العقلي المبكر يسمح لنا بتوقع وجود إسهام إنتاجي مستمر عبر السيرة المهنية للمبدع. والافتراض القائل إن هؤلاء الذين يبدأون إطلاق شراراتهم الإبداعية مبكرا سوف يحترقون مبكرا هو افتراض لا أساس له من الصحة " (8).
7-اختيار الطالب لنشاطه
يصبح هذا العامل مهما جدا في تطوير العبقرية وتكوين الشخصية السليمة ، لأن الطالب إذا ما فرض عليه نشاط لا يرغبه لا ينجح فيه ، وإذن ، فإن إختيار الطالب للنشاط الذي يحبه ويجد متنفسا فيه يساعد بلا شك على تطور موهبته وبالتالي نجاحه.
خاتمة
الإيمان بأهمية الأنشطة الطلابية هو أهم عوامل تحقيق أهدافها ، حينها تأتي العـوامل الأخرى ، ومنها التخطيط العلمي وتوفير كافة الاحتياجات في تنفيذ هذه الأنشطة من دعم مالي ومعنوي ، وإنشاء قاعات لجميع الأنشطة. وعلى مؤسسات التعليم العالي في العالم العربي أن تسعى لخلق موقعا لها بين المؤسسات المتطورة تربويا وعلميا وثقافيا بشرط أن تساير التطور السريع للمنجزات العلمية والتكنلوجية في العالم ، وبالتالي يترك ذلك أثرا في توسيع مدارك وأفق طلابها. وكلما كانت الجامعة تمتلك أنظمة مرنة ومستقلة كلما تفوقت علميا وأنتجت عقولا ناضجة توصف بالعبقرية. وكل ذلك ينطبق على مجالات الأنشطة الطلابية ، حيث طالما وجد الطالب بيئة علمية ونظيفة وحرة لممارسة الأنشطة ، ستجد الجامعة طالبا متميزا وموهوبا قادرا على العطاء والتفوق. فالطالب يتوق إلى مساحات للتفكير وإبداء الرأي والمساهمة في الإعداد للنشاط ، لأن ذلك بالأساس مطلبه واحتياجه ، فلزاما حينها ان توفر له الجامعة الحرية والثقة ، وأن تشركه في التخطيط والانتاج.
وعلى مؤسسـة التعليم العالي اختيار مشرفين ومنشطين من ذوي كفاءات وقيادات قادرة على التعامل مع الطلبة ، بحيـث يمتلكون صفات معينة كالموهبة والثقافة والصبر والعطاء وحب العمل ، وعليها أيضا أن تحسن تدريبهم وتأهيلهم بإلحاقهم في ورش عمل ودورات تدريبية في الأنشطة الطلابية والارشاد النفسي ، وتنظم لهم برامج لزيارات الجامعات في الدول المتقدمة لاطلاعهم على الانجازات في مجال الأنشطة الطلابية وشؤون الطلاب ، كما على هذه المؤسسات أن تسعى لمكافأة هؤلاء المشرفين ماديا ومعنويا ليظل عطاؤهم متدفقا دائما ، وإبعادهم عن عوامل الاحباط وغيرها التي تؤثر سلبا على الأمور المتعلقة بالطلبة.
المراجع:
• قدمت هذه الورقة خلال إجتماع عمداء شؤون الطلاب السادس عشر والحلقة النقاشية الخاصة بالنشاط الطلابي بالجامعات ومؤسسات التعليم العالي في دول مجلس التعاون الخليجي العربية ، (20-21/5/2003م).
(1) رايشاور، أدوين (1989) ،اليابانيون(ترجمة :ليلى الجبالي). الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، العدد 136.
(2) حارب، سعيد عبدالله ، مستقبل التعليم وتعليم المستقبل ، المجمع الثقافي 2001، أبوظبي.ص17-18.
(3) نجروبونت، نيكولاس ، دراسة بعنوان (مدراس المستقبل) ضمن دراسات عديدة منشورة في كتاب (هكذا يصنع المستقبل) ، الطبعة الأولى 2001 ، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، أبوظبي.
(4) سايمنتن ، دين كيث (1993) ، العبقرية والإبداع والقيادة (ترجمة :د.شاكر عبد الحميد). الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 176.
(5) المرجع السابق.
(6) نورالدين ، د.محمد عباس ، دراسة بعنوان (أهمية التنشيط الثقافي والاجتماعي في تأطير الأطفال والشباب) ضمن دراسات عديدة منشورة في مجلة (عالم الفكر) ، المجلد السابع والعشرون ، العـدد الأول –يوليو/سبتمبر1998 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت.
(7) سايمنتن ، دين كيث (1993) ، العبقرية والإبداع والقيادة (ترجمة :د.شاكر عبد الحميد). الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 176.
(8) المرجع السابق.
الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009
السبت، 3 أكتوبر 2009
إرشيف صحفي 5
الخميس، 1 أكتوبر 2009
إرشيف صحفي 4
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)