الأربعاء، 30 سبتمبر 2009

إرشيف صحفي 3

نوع الخبر: الأمسية القصصية الرابعة بجامعة السلطان قابوس ، وهي من تنظيم جماعة الخليل بن أحمد الفراهيدي للأدب العربي، وقد شارك في هذه الأمسية كل من الدكتور شاكر عبدالحميد والدكتور أحمد درويش ومحمد بن علي البلوشي ويحيى المنذري وصالح الزكواني وبدر الشيباني
تاريخ النشر: 14 مارس 1991
مكان النشر: الملحق الثقافي بجريدة عمان

الاثنين، 28 سبتمبر 2009

وعاظ السلاطين

مقتطفات من كتاب ((وعاظ السلاطين)) للدكتور علي الوردي .. من منشورات الملتقى-الطبعة الثانية 2003

- (( إستطاع فرويد أن يرجع كثيرا من ظواهر الحمق والهستيريا وارتباك الأعصاب إلى التصادم الذي يحدث في داخل النفس بين مباديء الانسان الخلقية وما يهفو إليه فؤاده من شهوات.))

- ((من خصائص البشرية أنها شديدة التأثر بما يوحي العرف الاجتماعي إليها من قيم واعتبارات فالإنسان يود أن يظهر بين الناس بالمظهر الذي يروق في أعينهم. فإذا احترم الناس صفة معينة ترى الفرد يحاول شتى المحاولات للاتصاف بتلك الصفة وللتباهي بها والتنافس عليها. وشر المجتمعات هو ذلك المجتمع الذي يحترم طريقا معينا في الحياة في الوقت الذي ينصح الواعظون فيه باتباع طريق آخر معاكس له. وفي هذا المجتمع ذي الوجهين ينمو الصراع النفسي لدى بعض الأفراد، وقد يلجأ كثير منهم إلى حياة الانعزال أو الرهبنة. إنهم لا يستطيعون أن يوفقوا في أنفسهم بين تينك الدافعين المتناقضين، ولذا نراهم طلقوا الدنيا وذهبوا إلى صوامعهم وأبراجهم. أما الباقون من الناس، من الذين لا يستطيعون الاعتزال، فنراهم يلجأون، في سبيل التوفيق بين مباديء الوعظ وقيم المجتمع، إلى حيلة أخرى-هي ما نسميها بازدواج الشخصية. فنجدهم آنذاك قد تقمصوا شخصيتين مختلفتين. إحداهما تصغي لما ينصح به الواعضون ثم تتشدق به، والأخرى تندفع وراء ما يروق في أعين الناس.))

- ((.. إن العرب مصابون بداء إزدواج الشخصية أكثر من غيرهم. ولعل السبب في ذلك ناشيء عن كونهم وقعوا أثناء تطورهم الضاري تحت تأثير عاملين متناقضين: هما البداوة والاسلام. فهم في بدء أمرهم بدو، ثم جاءهم الإسلام بعد ذلك يحمل من التعاليم ما يخالف قيم البداوة. إن قيم البداوة تحرض على الكبرياء وحب الرئاسة وتفتخر بالنسب، أما الإسلام فهو دين الخضوع والتقوى والعدالة وما أشبه. ولعلي لا أبالغ إذا قلت بأن العربي بدوي في عقله الباطن، مسلم في عقله الظاهر. فهو يمجد القوة والفخار والتعالي في أفعاله بينما هو في اقواله يعظ الناس بتقوى الله وبالمساواة بين الناس.))
- ((إن الدين والدولة من طبيعة متفاوتة. ولا يمكن أن يتلاءما. فالدولة تقوم عادة على أساس القهر والتسلط والاستغلال، بينما يقوم الدين على أساس الرحمة والعدل والمساواة. قد يحدث في بعض الظروف النادرة أن يتلاءم الدين والدولة، ولكن هذا التلاؤم مؤقت لا يلبث أن يزول. إن جمع الدين والدولة في جهاز واحد شبيه بجمع الماء والنار معا. حاول العباسيون أن يلائموا بين الدين والدولة فلم يوفقوا في هذا السبيل إلا ظاهرا. إنهم قربوا الفقهاء وأهل الحديث وأجزلوا لهم العطاء وتظاهروا لهم بالخشوع واستمعوا إلى مواعظهم. والواقع إنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا أكثر من هذا. ففي حياتهم العملية كانوا يسيرون كغيرهم من الملوك في ضوء ما تمليه عليهم الظروف مساومة وقسر واستغلال.
يقول البروفسور فيليب حول قيام الدولة العباسية:"وفي الواقع أن التغير الديني كان ظاهريا أكثر منه حقيقيا. لقد كان الخليفة البغدادي بخلاف سلفه الأموي يتظاهر بالتقوى ويدعي التدين. ولكنه كان مع ذلك ذا اتجاه دنيوي مثل سلفه الشامي..".
لقد كان الخليفة الأموي بدويا صريحا يعمل ما يشاء مادامت القوة بيده. وكان يتبع في ذلك سنة الصحراء التي تقول إن الحلال ما حل باليد، وأن الحق بالسيف. ولذا وجدناهم تركوا أهل التقوى في أبراجهم العاجية يتحذلقون كما يشتهون. أما الخليفة العباسي فأخذ يتبع طريق الازدواج. إذا جاء وقت الموعظة بكى، وإذا جاء وقت السياسة طغى. فهو وقت الموعظة من أشد الناس خشوعا وتعففا وزهدا. أما حين يجلس إلى الديوان ينظر في أمر الخراج وتعيين الولاة وشراء الجواري فهو لا يختلف عن جالوت أو نيرون في شيء. ))

الأحد، 27 سبتمبر 2009

مأساة الإنسان العربي كما وصفها حليم بركات

ضمن كتابه المهم "المجتمع العربي في القرن العشرين..بحث في متغير الأحوال والعلاقات" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية-الطبعة الأولى يوليو 2000. يختصر د. حليم بركات مأساة العربي في القرن العشرين في الفقرة التالية:

((.. نجد أن الأنظمة والمؤسسات والبنى والاتجاهات القيمية السائدة لا تشجع على إشراك الشعب في مختلف النشاطات الإنسانية، وبالتالي في صنع القرار والمصير. بل على العكس من ذلك تماما، إنها تعتدي على حقوقه المدنية وتعطل دوره في تحسين مستويات معيشته وتجاوز أوضاعه، فتحيله إلى كائن عاجز، مغلوب على أمره، مرهق بمهمات تأمين حاجاته اليومية ومنشغل عن قضاياه الكبرى بأمور المعيشة والاستمرار.
في ظل هذه الأنظمة السلطوية بمختلف أشكالها والأوضاع العامة المذلة، يعيش الإنسان في المجتمع العربي على هامش الوجود والأحداث لا في الصميم، مستباحا معرضا لمختلف المخاطر والاعتداءات، قلقا حذرا باستمرار من احتمالات السقوط والفشل والتعرض للمخاطر. وفي الوقت الذي يعيش فيه على الهامش، تحتل السلع والأشياء والمقتنيات والاهتمامات السطحية ومتع اللهو العابر، روحه وفكره. يعمل، إنما ليس لنفسه. يفكر، إنما ليس بقضاياه الأساسية. يشعر، إنما ليس بوجوده بل بالتراكم حوله. وبينما تتضخم الأشياء والممتلكات حوله وفوقه، يتقلص هو في الداخل. ينفعل بالواقع والتاريخ أكثر مما يعمل على تغييرهما. ينجز ويملك، إنما ما ينجزه ويملكه قد لا يعود بالفائدة عليه بقدر ما يعود على غيره. يقيم علاقات، ولكنها على الأغلب وفي جوهرها أقرب إلى علاقات الحذر والاقتناص والذعر.
بكلام آخر، إنه إنسان مغرب ومغترب عن ذاته. ولأن إمكانيات المشاركة في التغيير نادرة وضيقة، لا يجد من مخرج سوى بالخضوع أو الامتثال القسري والهرب. )) صفحة 35

الجمعة، 25 سبتمبر 2009

إرشيف صحفي 2

نوع الخبر: الأمسية القصصية الثالثة بجامعة السلطان قابوس ، وهي من تنظيم جماعة الخليل بن أحمد الفراهيدي للأدب العربي، وقد شارك في هذه الأمسية كل من يونس الأخزمي ويحيى المنذري وغنية السعدي وطيبة الكندي وبدر الشيباني.
تاريخ النشر: 7 ديسمبر 1989م
مكان النشر: الملحق الثقافي بجريدة عمان


إرشيف صحفي 1


كنت دائما -وما زلت- احتفظ بنسخ من الصحف أو المجلات التي تنشر كتاباتي أو مقالات عني أو حوارات معي ، وسأنشر تلك التي تمكنت من تصويرها في تصنيف بعنوان (إرشيف صحفي) ، وسيتم ذلك بناء على تاريخ نشرها من الأقدم وحتى الأحدث.
وهنا صورة لأول مقال أعددته في عام 1986 والذي نشر في مجلة مدرسية بعنوان (الشباب) ، كنت حينها في الصف الثالث الإعدادي بمدرسة الوليد بن عبدالملك الإعدادية والتي تقع في منطقة روي بمسقط ، كان المقال يحمل عنوان (تراثناعراقة وأصالة).

الخميس، 10 سبتمبر 2009

حول هموم الدراما التليفزيونية العمانية

مقال مهم جدا للكاتب والناقد عبدالله خميس

قد لا تكون المقارنة مع الدراما التي تنتجها البلدان العربية ضرورية ليدرك المرء أن الدراما العمانية تراوح مكانها منذ سنوات عديدة. ما تحتاج إليه الدراما التليفزيونية العمانية لتتطور، أولا وقبل كل شيء، هو معرفة مكامن العيوب فيها والاعتراف بها.
تعيد الأعمال الدرامية التليفزيونية المحلية في شهر رمضان من كل عام طرح نفس التساؤلات والملاحظات عن هموم هذه الدراما ومشاكلها، وعن معوقات تطورها وأسباب بقائها متخلفة جماليا في مستواها العام عن الدراما المقدمة في بلدان الجوار وبقية البلاد العربية. قد لا تكون المقارنة مع الدراما التي تنتجها البلدان العربية ضرورية ليدرك المرء أن الدراما العمانية تراوح مكانها منذ سنوات عديدة، وحقا أجد أنه لا حاجة ملحة لنفكر في الجيد من المسلسلات السورية أو المصرية مثلا لنكتشف أن الأعمال التليفزيونية المحلية تعاني من جملة من المشاكل ترتبط بالنص والمضمون والتمثيل والإخراج تجعلها دراما متواضعة فنيا وغير جذابة للمشاهد، إذ يكفي تحليل مكوناتها الفنية لنرى نقاط الضعف الكثيرة التي تعتريها. إلا أن الجمهور هم من يلجؤون عادةً إلى المقارنة وهو حق مكفول لهم طالما كانت المقارنة في محلها بين عنصرين متجانسين تصح المقارنة بينهما.
تعد المقارنة بين الدراما التليفزيونية المحلية ودراما بلدان الخليج العربي مبررة، بل إنها تعمل على تبيان نقاط القوة والضعف في أعمالنا الدرامية. وما يجعل هذه المقارنة بيننا وبين بقية دول الخليج العربي مقبولة هو أن هذه البلدان لا تختلف ظروفها السياسية والاجتماعية والمدنية كثيرا عن ظروفنا، والدراما التي تنتجها هذه البلدان هي صناعة حديثة ولها نفس عمر تجربتنا المحلية من الدراما التليفزيونية، وتخاطب هذه الدراما نفس الجمهور الخليجي لأن كل مسلسل خليجي لديه فرصة المتابعة في بقية بلدان الخليج الأخرى. تقود المقارنة بين مسلسل عماني مثل "درايش 3" ومسلسل سعودي مثل "طاش ما طاش 16" إلى تفوق كفة الأخير كثيرا سواء من ناحية حُسن صياغة النص وجودة بنيان القصة، أو من ناحية المضمون النقدي الجرئ والعميق، أو من ناحية التمثيل، وكذلك من ناحية جرعة الكوميديا المقدمة. كما أن "درايش 3" لا يصمد كثيرا أمام مسلسل منفصل الحلقات مثل الإماراتي "حاير طاير" لنفس الأسباب المذكورة أعلاه، ونضيف إليها في "حاير طاير" جودة الديكور وكارزميّة شخصية الفنان جابر نغموش. إن هذه المقارنة لا تعني بالضرورة أن كل حلقة من "طاش ما طاش 16" و "حاير طاير" هي أفضل من أي حلقة كانت من "درايش 3"، فهذه الأعمال لها أيضا جوانب ضعفها في بعض حلقاتها، ولكنه توصيف إجمالي عام يَصِفُ المحصلة النهائية للمقارنة، كما أن هذه المقارنة لا تعني مطلقا أن "درايش 3" يخلو تماما من العناصر الجيدة اللافتة للإهتمام. أما إذا سقنا مقارنة بين المسلسل الدرامي المحلي غير الكوميدي "الغريقة" وبين المسلسل القطري "قلوب للإيجار" فإن المقارنة في نهاية المطاف ستنتهي بصفة عامة لصالح المسلسل القطري الذي سيتفوق أولا وقبل كل شيء في بصمة الاحتراف التي تعطيه خصوصيته، فهو مُنفّذ بواسطة فريق عمل يعرف جيدا ماذا يفعل، وتكفي الإضاءة الخلاقة للمسلسل وحركة الكاميرا وزوايا التصوير كنماذج للتنفيذ المحترف للمسلسل، وذلك فضلا عن أهمية الموضوع المطروح وكيفية طرحه (أزمة السكن وغلاء الإيجارات). إن "طاش ما طاش16" و "حاير طاير" و "قلوب للإيجار" هي أعمال فنية صنعتها دول الجوار التي تتشابه معنا في حداثة دخول فن الدراما التليفزيونية إليها كما تتشابه معنا في الكثير من الأشياء مثل صرامة الرقابة وقلة عدد الأعمال الدرامية المنتَجة في السنة الواحدة وعدم احتراف الفنانين (من حيث كونهم غير متفرغين تماما للتمثيل) والاستعانة أحيانا بمخرجين من بقية البلدان العربية.. إلا أنه وبرغم جميع نقاط الالتقاء تلك فإن الدراما العمانية في المجمل هي الأقل جودة في عناصرها الفنية المختلفة بين هذه الدرامات، فأين تكمن المشكلة؟
إن نظرة قريبة على مجمل الدراما التليفزيونية العمانية تعطينا الملامح التالية التي يعتبر كلا منها مؤشرا على مشكلة في مجال من المجالات:

* النص:
1 ـ لا يوجد إلا قلة قليلة من الكتاب المحترفين (أو شبه المحترفين) الذين يكتبون الدراما العمانية، وما يجعل هؤلاء المحترفين محترفين هو استمراريتهم في الكتابة الدرامية لعدة سنوات، والاستمرارية هي إحدى عناصر الاحتراف. إلا أن قدرات هؤلاء في خلق الشخصيات وصنع بناء درامي محكم هي قدرات متواضعة. كما أن منهم ذوو الآفاق المحدودة في الرؤية، فهؤلاء لا يطرحون الجديد ولا يَشْخَصُون بأبصارهم بعيدا في تشريح الواقع ومحاولة فهمه. كثير منهم من يقف عند عتبة "الوصف" للواقع دون التحليل أو الاستشراف أو محاولة النبش. أما السيئ حقا فإن منهم من لا يعالج الواقع أصلا ويأتي بواقع آخر متخيل لا علاقة له بحياة الناس محاولا قسرا أن يُلبِس شخصياته لُبوس العمانيين، وتكون النتيجة أن ينصرف الناس عن هذه الأعمال.
2 ـ هيمنة الخطاب الإعلامي الرسمي التقريري والخطابي والوعظي والمباشر حول ما يسمى بالتوجهات التنموية. بلغة أخرى: وقوع "الدراما" التليفزيونية العمانية في كنف البروباجندا وهو ما يتعارض مع الفن الخالص، فإما الدراما وإما البروباجندا.
3 ـ صرامة الرقابة وأثر ذلك على النصوص الدرامية من حيث غياب الطرح الحيوي للقضايا التي تهم الناس واستبداله بموضوعات ميتة تدور عادة في الماضي، وهو ماضٍ غير قادر على مد يديه للحاضر، هو مجرد ديكور لحكاية باردة. أما الدرامات التي تدور في الحاضر فلا تأخذ منه سوى قشور الإيحاءات الزمنية مثل استخدام الهاتف النقال وركوب السيارات وغيرها، ولولا هذه المظاهر الخارجية لما عرفنا ان بعض الأعمال الدرامية العمانية تدور في الحاضر لأنه لا حواديتها تعنينا ولا شخصياتها تشبهنا أو تشبه من نعرفهم. واستطرادا أود القول هنا أن عددا من الأعمال الدرامية العمانية تعاني في حقيقة الأمر من التباس مفهوم الزمن، فلا نحن نعرف هل أحداثها تدور في الماضي أم الحاضر، وهو بالطبع عيب كبير في بنيان هذه الأعمال.
وبخصوص جزئية صرامة الرقابة فإن الملاحظة هي عدم وجود كتاب رائين (أي ذوي رؤى ثاقبة) ممن تستطيع أعمالهم أن تقول كلمتها بالحيل الفنية المختلفة. فلننظر فقط إلى قوة السينما في روسيا وأوروبا الشرقية (بولندا تحديدا) زمن القبضة الحديدية للاتحاد السوفييتي، ولنتأمل كيف تمكن المؤلفون والمخرجون المبدعون من قول كلمتهم رغم أنف الرقيب ودمويته. لو كان لدينا وفرة معقولة من المبدعين الرائين الحقيقيين من كتاب الدراما التليفزيونية ومخرجيها لنجح بعضهم دون شك في تجاوز المحظورات والذهاب إلى أفق العطاء الأروع، في الوقت الذي من الطبيعي أن ينكسر فيه بعض هؤلاء وتنتصر قبضة الرقابة عليهم فيهجرون الفن مكرهين إلى حيث يحتفظون بماء وجههم.

* التمثيل:
يغلب على نمط التمثيل في عمان طابع المبالغة الصوتية والحركية، وضعف التعبير بقسمات الوجه، مع تسيد الأداء الانفعالي والصراخ. التمثيل في عُمان ـ بصفة عامة ـ هو تمثيل التمثيل، أي أن الممثل لا يتقمص شخصية ما ويذوب فيها، ولكنه على العكس من ذلك، يعمل على تذكير المشاهدين طوال الوقت بأنه يقوم حاليا بالتمثيل وأنه يلعب دورا. على أي أساس أقول هذا؟ أقوله من كون عامة الممثلين العمانيين يشتغلون بالحد الأدنى من الجهد المطلوب لتقمص الشخصيات، ولعل سبب هذا أنهم لا يأخذون التمثيل مأخذ الجد، فهو مجرد نشاط بسيط يمارسونه بضع سويعات في السنة وبقية العام هم منشغلون بوظائفهم. لا يريد الممثل العماني أن يتعب أكثر في تجويد أدائه كممثل، ويكتفي بالحد الأدنى الذي يجعله يكتفي بـ "تسميع" النص الدرامي الذي يحفظه دونما إضفاء أي روح على الأداء، وكأن "حفظ النص" هو غاية الغايات لدى الممثلين العمانيين. إنهم يتحدثون بأيديهم وبصوت عال عوضا عن أن يُعبّروا بملامح وجهوهم وقسماتهم وتعابيرهم. حين يضحكون يقهقهون بدلا من أن نرى ابتسامة على وجوههم. وحين يبكون فإنهم يبدون مفتعلين مثل الممثلين في الأفلام بالأبيض والأسود في الأربعينيات والخمسينيات حين كان الممثلون آنذاك يستعيرون أساليب التمثيل المسرحي ويجلبونها للسينما. ما يفعله عموم الممثلين العمانيين هو أنهم يجلبون أردأ ما في المسرح (وليس أحسن ما فيه) ويزجون به في الدراما التليفزيونية. بالطبع لا ينطبق هذا الكلام على الجميع، وحتى من ينطبق عليهم فإنه ينطبق بمستويات متفاوتة، وحتى لدى الممثل الواحد نجد الأداء متباينا وفقا للمخرج الذي يعمل معه. وفي هذا السياق أود الإعراب عن ثقتي الشخصية أن مجموعة لا بأس بعددها من الممثلين العمانيين لديهم قدرات جيدة قابلة للتوظيف مع مخرج يعرف ماذا يفعل، ولعل نجاح أمين عبداللطيف في توظيف طاقات الممثلين العمانيين في مسلسل متميز من قبيل "قراءة في دفتر منسي" لهو إشارة إلى أن بعض هؤلاء لديهم طاقة كامنة غير مستغلة للأداء الجيد يمكن استغلالها حين يكون هناك نص جيد ومخرج جيد وظروف إنتاجية جيدة.

* الإخراج والعناصر الفنية:
تقوم الدراما التليفزيونية العمانية على مخرجين عمانيين وآخرين عربا تم تكليفهم بإخراج هذه الأعمال، إلا أنه ـ ولنكن صرحاء جدا ـ لا يوجد لغاية اليوم أسماء حفرت نفسها كمخرجين لافتين للنظر في ذاكرة الجمهور العماني سوى أمين عبداللطيف وفوزي الغماري في مسلسل "صيف حار". هذا لا يعني أن الآخرين لا يجتهدون وليسوا مخلصي النوايا تجاه ما يقومون به، ولكن الاجتهاد الفردي وحسن الطوية لا يصنعان لوحدهما دراما تليفزيونية جيدة. أما الأسوأ فهو أن بعض المخرجين الذين تم استقدامهم لإخراج أعمال تليفزيونية محلية كانوا مخرجين ضعافا لم يعملوا سوى على تثبيت حال الدراما المحلية عند نقطة "محلك سِر"، وذلك عوضا عن استقطاب الأسماء التي بإمكانها أن تضيف شيئا للساحة. وقد وجدنا بعض هؤلاء يمارسون الفوقية والوصاية والاستعلاء على الشارع الفني المحلي ويزعمون زورا وبهتانا أنهم جاءوا ليصنعوا بأيديهم جيلا من صناع الدراما المحليين الأفذاذ، وأنّى لإناء أن ينضح بما ليس فيه!
في الكثير من الأعمال الدرامية التليفزيونية المحلية يتضاءل دور الإخراج إلى مجرد التنفيذ، والفرق بين الإثنين هو أن الأول عبارة عن رؤية والثاني عبارة عن عمل آلي قد يشبه عمل الماكينات والروبوتات. أين نجد الرؤية؟ نجدها في المعنى العام، الإيقاع العام، أو الطبيعة الخاصة للعمل الفني التي تميزه عن غيره. أعمال نجدت أنزور على سبيل المثال لها طابعها الخاص الذي بواسطته يعرف من يشاهدها أنها أعمال صنعها هذا المخرج (وهذا ليس تقييما لجودتها أو رداءتها، وإنما توصيف لطبيعتها وخصوصيتها). أما أعمالنا المحلية ففي معظمها لا يوجد فرق حقيقي ان تضع اسم المخرج الفلاني بدلا من الفلاني، والمصور الفلاني بدلا من العِلاني، ومدير التصوير الفلاني (إن كان لدينا مدراء تصوير حقا) بدلا من مدير تصوير آخر. قِس على ذلك ما يتعلق بالتصوير (زاوية الكاميرا وحركتها) والإضاءة وإيقاع المونتاج وإيقاع العمل الدرامي ككل والديكور والماكياج. كلها عناصر كثيرا ما تغيب عنها الاحترافية وتتسم بالارتجال، وهو ما نجد العكس منه في مسلسل مثل القطري "قلوب للإيجار" حيث تأسرك الإضاءة وتضفي على المَشاهد طابعا جذابا للجمهور دون أن يعلم غير المختصين من هؤلاء أن جزءا من التناغم الحاصل بين المُشاهد والمسلسل منبعه الإضاءة الخلاقة التي تتسرب للوجدان فتستمتع عين المتفرج بالعمل الفني وترتاح لما تراه.

* الجودة الإنتاجية:
الجودة الإنتاجية مصطلح واسع يشتمل على أشياء كثيرة، منها تهيئة ظروف الإنتاج الملائمة والاهتمام بالعناصر التقنية الداخلة في الصناعة الدرامية، إضافة إلى توافر المخصصات المالية الكافية لكافة متطلبات الإنتاج الدرامي من ديكورات ومناظر، شاملا ذلك الأجور المجزية للفنانين والفنيين والكتاب والمخرجين.
في عُمان بصفة عامة فإن إنتاج الدراما التليفزيونية لا يزال موسميا، وقد تكون هناك أسباب فعلية تقود إلى هذا منها قلة أعداد المشتغلين بالمجال الفني إجمالا من كتاب ومخرجين وممثلين، ووجود جمهور محلي بسيط تعداده أقل من مليوني نسمة بخلاف الجمهور المصري الذي يبلغ ثمانين مليونا ويحتاج إلى العشرات من المسلسلات، بل والقنوات التليفزيونية، حتى تلبي احتياجاته. ليست المشكلة الأم في موسمية الأعمال، وإنما في عشوائية الإنتاج المتمثلة في غياب الخطط والاستراتيجيات المتضمِنة برامجَ واضحةً لمراحل الإنتاج الدرامي. فإذا بدأنا من عنصر النص الدرامي، لا نجد أن هناك خطة عملية تتبنى فعل شيء طوال العام لإعداد مسلسل جيد للموسم المقبل. حتى في مسلسل "درايش 3" الذي يتكون من حلقات منفصلة يساهم فيها عدة كتاب، نجد أن المعمول به هو انتظار مبادرات الكتاب والقبول بالحلقات حتى الضعيف منها فقط لأجل إنتاج عمل مدته 30 حلقة منفصلة. الأمر مختلف مثلا مع مسلسل "طاش ما طاش"، ففي الجزء الـ 16 من هذا العمل نقرأ في التترات خمسة أسماء تقع تحت مسمى "ورشة السيناريو". هذا هو الشغل الاحترافي حقا. ما يفعله منتجو "طاش ما طاش" هو أنهم يتجهزون طوال العام للمسلسل، ويتلقون النصوص بعد إعلانهم في الصحف عن حاجتهم لنصوص درامية، ثم تُعرض النصوص المبدئية على لجنة الاختيار، وما يتم اختياره منها يذهب لورشة إعادة الكتابة التي يشرف عليها خمسة أشخاص. هذا ما تحتاج الدراما العمانية أن تقوم به على صعيد إعداد النص، شريطة ألا تتضمن هذه الورشة إلا أسماء جيدة ـ محلية وعربية، أو عربية فقط.. لا مانع ـ تتولى الإشراف على تطوير قدرات مؤلفي هذه النصوص الأصليين سعيا لتحسين نصوصهم وتطوير قدراتهم. بذا يمكن استثمار الموسمية في إنتاج أعمال تستحق الانتظار.
إن ما يحصل في ظروف الإنتاج المحلية هو سيادة مفهوم "عالبركة" و"كله بالبركة"، أي إنتاج الأشياء كيفما اتفق بالحد الأدنى من مواصفات الجودة. لا المسؤولون يسألون أنفسهم لماذا يجب أن تكون لدينا أعمال درامية (لغير ملء الشاشة فحسب)، ولا الكتاب يَسألون أنفسهم ما الذي تناقشه حلقاتهم، ولا الممثلون يعرفون لماذا يمثلون. وحده الجمهور فقط هو من يعلم لماذا لا يحب كثيرا الأعمال الدرامية التليفزيونية العمانية!
إن جودة الإنتاج مطلب حيوي لصنع دراما جاذبة ومحترفة، أما حذف عشرات المَشاهد بعد التصوير من بعض المسلسلات المحلية نظرا لرداءة الصوت أو ظهور الميكروفون المرفوع أمام وجه الممثل وهو يمثل فهو نقيض مسألة "الجودة الإنتاجية" ورديف مفهوم "عالبركة"! أفكر دائما في الشكوى المتكررة من المخرج عبدالله صالح حيدر من مساهمة فصل الصيف في عمان في إرهاق الممثلين وبالتالي ضعف الأداء. ذلك أن جاهزية التليفزيون للإنتاج الدرامي تأتي غالبا قبيل شهر رمضان، أي في الصيف، ونظرا لصيفنا الحار فإن التصوير الخارجي في الحرارة اللاهبة يتسبب في إجهاد الممثلين وطاقم التصوير، ولذا يرضى المخرجون بتصوير أي مشهد مرة أو مرتين حتى وإن لم يكن بالمستوى المطلوب لأنه لا أحد يرغب في تعريض نفسه لضربة شمس. والسؤال هنا: ماذا يفعل صناع الدراما طوال بقية شهور السنة؟ ألا يجدون وقتا أفضل من عز الصيف لتصوير المسلسلات؟ إن هذا جزء مما أسميه بعشوائية خط الإنتاج الدرامي وغياب الاستراتيجيات الواضحة والمخطط لها للإنتاج الفني بمختلف مراحله ومراعاة متطلبات كل مرحلة منها على حدة.
***
ما تحتاج إليه الدراما التليفزيونية العمانية لتتطور، أولا وقبل كل شيء، هو معرفة مكامن العيوب فيها والاعتراف بها. لا يعني الاعتراف بالعيوب قبولها والاستسلام لها، ولكنه يعني عدم نكرانها والإقرار بأنه ما كان يُفترض أن توجد. إذا كانت النوايا صادقة لتطوير الدراما العمانية فإن الخطوة الأولى هي الوقوف على العيوب والاعتراف بها، وعدم المكابرة بأنه لم يكن في الإمكان أبدع مما كان. إن الاعتراف بمكمن الخلل يستلزم معالجته، ومعرفة المشكلة يتطلب حلها، وها هي عيوب الدراما العمانية مكشوفة أمام عيوننا الآن، فهل نعمل على معالجة أسبابها من جذورها، أم سيختار الممارسون للعمل الدرامي المحلي ـ كل في مجاله ـ استمرار الحال على ما هو عليه والسير بمبدأ "عالبركة" الذي ليس فيه من البركة شيء. هو ذا السؤال الذي لا مناص من الإجابة عليه.

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

لهذه الأسباب نبتعد عن الدراما: الرقابة..الوعظ.. اللهجة المفتعلة.. المردود المادي

نشر هذا التحقيق في ملحق شرفات العدد 340 بجريدة عمان العدد 10326 ، بتاريخ 09 سبتمبر 2009م
تحقيق: هدى الجهورية
هناك اتهام موجه إلى الكاتب العماني بأنه بعيد عن الكتابة للدراما العمانية، وأن بعده أحد الأسباب الرئيسية في الإخفاق الذي أصاب الدراما، مما أدى إلى تراجعها، لاكتفاء الكاتب بالانتقاد من على البعد بدلا من أن يكون إيجابيا، ويبادر بالكتابة للدراما.. رأت «شرفات» أن تطرح هذا الموضوع لتعرف رد الكاتب على ما هو منسوب إليه..
مسالخ الدراما، ومخرج كسول:
في كل رمضان، وبعد أن تكال الاتهامات إلى المسلسلات العمانية، وإلى ركاكتها توجه أصابع الاتهام الأولى إلى الكاتب العماني لذا بدأنا استطلاعنا مع القاص والكاتب محمد الرحبي الذي كانت له تجربة في الكتابة للدراما لنعرف رأيه عن قرب فكان أن قال: "تمتاز في عمان بخاصية ربما تنعدم في أية دولة أخرى، فلا مجال هنا للتجريب، وتقديم أي فعل إبداعي لأن هناك مجازر، ومسالخ تعمل بجهد لا تقدر عليه مسالخ البلدية صبيحة العيد، ومن ثم نتساءل: أين المبدعون في بلدنا؟! وأين الكتاب والفنانون وأين سائر المبدعين؟" ثم أردف قائلا: "لنفترض أننا نعاني من هبوط في مستوى الدراما؟ إذن لماذا لا يعترف أصحاب المسالخ أن لديهم هبوطاًأيضا في مهارة الذبح، ويتم الخلط بين ما هو المذبوح حسب الطريقة النقدية، وما هو مهدر دمه بحيث لا يفكر في أن يطرق أي مجال مرة أخرى"، ويتابع قائلا: "فمثلا تحول مسلسل خفيف وطريف يسمى درايش إلى قضية أمن دولة، وصار يعامل كأنه وباء أشبه بانفلونزا الخنازير، والكتابة عنه أصبحت فرض عين وليس فرض كفاية إن كتب عنه البعض سقط الواجب عن البعض الآخر، وحشدت الأقلام وتبارت الصحف والمنتديات في تحليل وتفنيد هذه القضية المصيرية الكبرى التي تقدم وقائعها بعد الإفطار مباشرة"، وقال القاص يحيى سلام المنذري: "هذه الاتهامات يكيلها مخرجو هذه الأعمال بعد أن يشعروا بأن الفشل حالفهم في هذا العمل أو ذاك، فلا يجدون الظاهر غير كتّاب القصة والرواية يبررون فيهم فشلهم. لأن المخرج إذا تحلى بالصدق والموهبة والنشاط في إنتاج وإخراج عمل درامي متميز لن يبادر بهذا الاتهام، ومقومات نجاح أي عمل درامي - كما نعرف- تكون في المخرج المبدع الطموح والسيناريست الجيد والاختيار الموفق للممثلين الموهوبين وعناصر أخرى بالطبع كالحرية المتاحة للتعبير والتصوير والمؤثرات الصوتية والموسيقية وغيرها، وكل هذه العناصر تعتمد على نص جيد متقن الكتابة من حيث فكرته ورقي أسلوبه وابتعاده عن المباشرة في الطرح، ولكن من أين يأتي هذا النص؟ هناك طبعا مصدران أساسيان..وهما: المصدر الأول هو أن يجد المخرج قصة سواء كانت قصيرة أم طويلة تدهشه ويعجب بها ويتفاعل معها، وفي اعتقادي بأن المخرج إذا أراد أن يجد هذه القصة لابد أن يبحث عنها ويكون قد قرأ العديد من القصص والروايات، أما قول بعض المخرجين أو العاملين في مجال الدراما: "بأن الكاتب لا يأتي ليعرض علينا نصه" فليكن في علمهم بأن المجموعات القصصية أو الروايات لم تكتب للدراما، وأن الكاتب لن يحمل كتبه ويذهب بها إلى المخرجين ليقول لهم: رجاء حولوا هذه القصة إلى السينما أو التلفزيون" وأردف المنذري قائلا: "أتذكر الآن وبدون ذكر أسماء بأن مخرجا صرح يوما بأن الكتاب العمانيين لا يعرضون قصصهم على المخرجين، ولذلك فإن ابتعادهم هو سبب تدني الدراما في السلطنة، وحينها تساءلت، ولماذا يا ترى هذا المخرج لا يقرأ أو يتابع الإصدارات العمانية ويظل جالسا في بيته أو مكتبه ينتظر الكاتب لأن يطرق عليه الباب؟ لماذا لا يبعد عنه الكسل ويكتشف بنفسه قصة قد تكون مهمة للسينما أو التلفزيون أو الإذاعة؟ أما المصدر الثاني للنصوص الدرامية هو كاتب متخصص للدراما أي أنه موهوب ومتدرب - إن لم أقل محترفا- في كتابة مسلسلات أو أفلام، وله موهبة في كتابة السيناريو وهذه بحد ذاتها إمكانية تختلف عن كتابة قصة قصيرة أو رواية". ويرى القاص خالد عثمان أن الدراما العمانية بحاجة إلى وقفة حقيقية وصريحة في كل جوانبها، أي وقفة شاملة: "في رأيي أن هذه الدراما من خلال متابعتنا لها، لم تتقدم منذ أن بدأت، كي نقول عنها بأنها تراجعت، ولكنها بقيت كما هي منذ أن انطلقت برغم تقدم التكنولوجيا في عالم الفن الدرامي بشكل عام".
كاتب القصة ليس كاتب دراما:
يرى القاص والسينمائي مازن حبيب أنه لا ينبغي أن يوجه اللوم إلى الكاتب العُماني عموماً (أو القاصين خصوصاً)، بل إلى من يطرح نفسه ككاتب للدراما قائلا: "على هؤلاء الكتاب أن يتصدوا للنقد بدورهم (بأعمالهم)، فهو وجيه حقاً، لأنه حين يتكرر، فهذا يعني أن أعمالهم لم ترض طموح مشاهديها، وعلى الأرجح أنهم لم يفلحوا في زحزحة الفكرة السائدة عنها. الدراما العُمانية (متمثلة بالنتاج النهائي للعمل المُشاهد بجزئياته المختلفة ابتداء بالنص وانتهاء بالنسخة التي ينهيها المخرج، وهذا ما يحكم عليه، وليس على العمل المكتوب فحسب)، واتفق الكاتب السينمائي عبدالله خميس معه في الرأي قائلا: "لا يمكن إجبار أي فرد ممن لا يتعاطون الكتابة الدرامية بالأساس إلى أن يتحول إلى كاتب درامي. القصة القصيرة فن مختلف عن الدراما، والرواية فن آخر. أما الشعراء وبحكم الطبيعة اللحظوية للشعر فلا أتوقع أن لديهم القدرة على كتابة المسلسلات بحلقاتها المتعددة إلا لدى أفراد استثنائيين، وفي المقابل فإن الكثير من كُتاب الدراما حول العالم لم يسبق لهم أن كتبوا قصة قصيرة واحدة أو رواية. الفرق الجوهري بين طبيعة القاص، والكاتب الدرامي هو أن عمل الأول وإبداعه يتصف بالفردانية. فالقاص يكتب قصته لوحده وانتهى الأمر. أما الكاتب الدرامي فيعرف أن عمله ذو طابع جماعي وأن كتابته هي فقط جزء من المشروع، وليس المشروع برمته، فالإخراج والتمثيل والديكور والماكياج كلها عناصر أخرى أساسية ضمن ذات المشروع الذي هو العمل الدرامي التليفزيوني" ويشاركنا القاص نبهان الحنشي بقوله: " لا يجوز الاتهام بهذه الطريقة.. بل يجب التصويب أكثر.. أقصد: بما أننا لدينا كتاب رواية وكتاب قصة..أين هم أصحاب الدراما عنها، لماذا لا تُحوّل هذه الأعمال لأعمال درامية..هل من سُنة العمل الدرامي الانتظار، وهل من سُنة المسؤولين قذف الاتهام. الأدب في عُمان غزير ووافر، وليت القائمين على الدراما المحلية يصوّبون البوصلة ولو قليلا تجاه الأعمال الأدبية لوجدوا الكثير من الأعمال الجيدة والرصينة". وتجد القاصة رحمة المغيزوي أن الاتهام ذو طبيعة مزدوجة، فإذا كان الواقع يدل دلالة لا ريب فيها أن الكاتب العماني لا يبادر إلى الكتابة الدرامية فهي ترى في ذات الوقت أن القائمين على الدراما المحلية لم يبدأوا خطوة المبادرة الأولى لتحفيز الكاتب على التعاطي مع مركزاتهم وأسسهم ومحاورهم ومن هنا تكون معادلة الاتهام متعادلة سلبية من كلا الطرفين"وترى المغيزوية أهمية تحاوز مرحلة الاتهام إلى مرحلة البحث عن حلول لها.
مغامرة غير مأمونة:
يرى يحيى المنذري أن الكتابة للدراما ربما تكون مغامرة غير مأمونة الجانب: "لأن الكاتب يظل خائفا على كيفية إخراج نصه في عمل درامي، ويظل قلقا على مستوى نصه من ناحية إخراج العمل أو الشخص الذي سيكتب السيناريو – إن لم يعده الكاتب بنفسه – أو من سيقوم بالأدوار التمثيلية، كل هذه العوامل تشكل غموضا بالنسبة له، وكل هذه العوامل بإمكانها أن تتلاشى إن وجد مخرجون أكفاء، وصادقون في عملهم. ولكن كاتب القصة في رأيي لديه إمكانيات الكتابة للدراما إن هو أراد وأصر على ذلك، ويؤكد القاص سعيد الحاتمي أن جزءا كبيرا مما تعانيه الدراما العمانية هو القصور المزمن في النص الدرامي قائلا: "في تاريخ الدراما العمانية هناك القليل من الأعمال التي لا تتعدى أصابع اليد التي كانت مدعومة بنصوص ذات جودة حقيقية..فمن يتحمل هذا الأمر؟هل الكاتب؟" ثم يجيب على سؤاله قائلا: "الكاتب هو طرف مهم في القضية ويتحمل وزرها..وتحديدا أعني من يمارسون الكتابة الدرامية ويمتلكون أدواتها، وعلى الأقل متمكنون من بعض الأساسيات التي تتطلبها..جزء آخر تتحمله المؤسسة الداعمة، والمنتجة حين لا تقدم للكاتب ما يستحقه من دعم مادي، ومعنوي ولا تتيح له مساحة معقولة من حرية الطرق..كما إن عدم ثقته في جودة العناصر الأخرى المكملة للعمل( الممثل والمخرج والمنتج.....الخ) يجعل الكاتب يشعر أن الأمر لا يستحق المغامرة بالفعل". بينما أشار محمد الرحبي إلى أن العمل الإبداعي يُلزم صاحبه بمزاج لا يحب تعكيره فوق ما هو معكّر أصلا ثم قال: "لذا فإن الخوض في الكتابة الدرامية رقص على الحبال، فمن يمتلك الكلمة ومن لا يمتلكها يقدم فتاويه في جواز مشاهدة مسلسل درايش، وهل تجب الكفارة على كاتبي حلقاته، والعاملين فيها من ممثلين وصولا إلى المخرج، ووزارة الإعلام كونهم سمحوا بهذه الكبيرة في شهر رمضان، وأضروا بأمن البلاد والعباد". ويفسر عبدالله خميس الأمر بقوله: "المشكلة تكمن في أن من اعتاد نفسيا على مسألة إنجاز مشروعه بمفرده قد لا يكون سهلا عليه الانخراط في مشروع جماعي، وهذا برأيه سبب كاف يجعل كتاب القصة والرواية مبتعدين عن الكتابة الدرامية، ولا لوم عليهم في هذا، ببساطة لأن مجال عملهم مختلف عن مجال الدراما". ويضيف قائلا: "الكتابة الدرامية هي جزء من مشروع أكبر لذا تبدو مخيفة لبعض الكتاب، وتمنعهم من طرق باب الكتابة الدرامية خشية ألا تقوم العناصر الأخرى اللازمة لصناعة العمل الدرامي بنقل أفكارهم ورؤاهم كما هي عليه. فقد يكتب الكاتب عملا دراميا ولا يصل في الناتج البصري النهائي للعمل إلا القليل مما طمح إليه ذلك الكاتب، وذلك بسبب تدخلات جهة الإنتاج والمخرج وأسلوب أداء الممثلين واللكنة التي يتكلمون بها وغيرها. كل هذا لا يمنع أن يحاول بعض كتاب القصة أن يدخلوا باب الدراما لأنه لربما كانت لديهم موهبة كامنة لكتابة الدراما التلفزيونية إلا أنهم لم يختبروها من قبل"، وتؤكد المغيزوية على فكرة قائلة: "التخوف في هذا الجانب ليس من الكتابة، وإنما من السهو عن أحد جوانب الكتابة الدرامية، أو اختلاف الرؤى من قبل المتعاطين له مما يفقد النص الصورة التي ولد بها".
بين من يريد، ومن لا يريد:
وعن محاولات الكتابة للدراما قال لنا الكاتب عبدالله خميس: "كانت لي محاولات تم تنفيذ بعضها. ففي عام 1995 نفذت لي الإذاعة تمثيليتين إذاعيتين مدة كل منهما نصف ساعة ضمن ما كان يُعرف بتمثيلية الأربعاء، وقد تم بث التمثيليتين، والآن أكتب على مهل دراما إذاعية علمية من ثلاثين حلقة محورها البيئة والطبيعة، ولكن في إطار درامي، وهي باللغة العربية الفصحى، ولم أعرضها بعد على المسؤولين في الإذاعة". بينما مازن حبيب لا يفكر بالكتابة للدرما إلا إذا شعر أنه سيكتب شيئاً مغايراً يستحق المشاهدة –بحسب قوله- وبه يتجاوز النمط الحالي لهذه المسلسلات، لأن كتابتها لا تقع ضمن اهتماماته في الفترة الحالية على الأقل، وقال خالد عثمان:"لا شك أن الكتابة في المجال الدرامي التلفازي أو الإذاعي مغامرة وشرك، النجاة والتوفيق فيه صعب؛ لأن هناك جمهورا معقدا لهذين المجالين الفسيحين، جمهور له ذوقه وثقافته الخاصة به، والمطلوب منك ككاتب أن تقدم نصا قريبا من ذوقه وثقافته، والنجاح في هذا الأمر غاية صعبة" وأردف قائلا: "أنا شخصيا لم أفكر في هذا النوع من الكتابة؛ في ظني أن لها كتابها المتخصصين والمتمرسين". وقال لنا القاص نبهان الحنشي: "أنا فعلا كتبت، وشاركت في الإعداد لمسلسل حواليس.يومها كنا قد تدربنا على كتابة السيناريو على يد المخرج المصري محمد القليوبي، والسيناريست الرائع والكبير محفوظ عبدالرحمن..وحلقتي اخترتها حول موضوع "ظاهرة التسوّل"، ولكن الذي حدث بعدها..أن فُرض علينا مخرج للعمل، وهو مال الله درويش..الذي أبدى امتعاضه من الأعمال المقدمة، وطالب بالكثير من التغييرات فيها..الأمر الذي رفضته وانسحبت على أساسه، مع العلم أن محمد القليوبي، ومحفوظ عبد الرحمن قد أبديا إعجابهما بالطريقة الدرامية التي صنعت بها الحلقة". ويبدي يحيى المنذري رغبته بالمحاولة قائلا: "التفكير في هذا الجانب موجود، ولكن لم توجد لدي محاولات سابقة بسبب عدم وجود عوامل مشجعة كالوقت المناسب، أو سير الدراما العمانية الحالية والتي في رأيي تشهد هبوطا، على الأقل عند مقارنتها مع بعض المسلسلات القديمة، وكما نشاهد أو نسمع فإن معظم المعروض حاليا سواء في الإذاعة أو التلفزيون، أعمالا هشة تعتمد على نصوص أسلوبها مباشر في الطرح، وتعتمد على مبدأ النصح و الإرشاد كما تتناول مواضيع مستهلكة، وهو ما يتناقض مع مبدأ الفن والتفرد الذي يعتمد على أسلوب جديد في الطرح ومواضيع مهمة تعتمد في أسلوبها على الإيجاز والتشويق وعدم المباشرة، وهنا أتساءل: أين المخرجون العمانيون؟ لماذا مثلا مخرج قدير مثل أمين عبد اللطيف ترك الدراما العمانية؟ واتفق معه خالد عثمان قائلا: " من الممكن أن نقول بأن هناك مسلسلات فعلا نجحت على الصعيد المحلي، مثل المسلسل الرائع (قراءة في دفتر منسي) ومسلسلات أخرى أخرجها وألفها المخرج الجميل والمتميز ( أمين عبد اللطيف)، كونها تعالج قضايا محلية من صميم الواقع العماني، وقال لنا سعيد الحاتمي: "يراودني هذا الهاجس منذ فترة بكل أمانة، واستهلك وقتا للتفكير في الأمر ثم اعدل بعد ذلك..في البداية يجب أن نعترف أن القدرة على كتابة عمل سردي لا يعني بالضرورة التمكن من كتابة الدراما..للعمل الدرامي أدواته وأسلوبه المختلف تماما، والتي قد لا أملكها في الحقيقة"، ويضيف الحاتمي قائلا: "الكتابة للدراما من جهة أنها مغامرة فهي مغامرة بالفعل، وغير مأمونة، كون أن العمل الدرامي يتلقاه كم من الناس لا يمكن مقارنته أبدا بأي عمل إبداعي آخر..هناك عدد لا نهائي من الأمزجة، والأفكار التي ستضع العمل على المحك..لذا على الكاتب أن يمتلك القدرة لإقناعهم بما تقدم، ربما أحاول كتابة حلقة ربما..لكن مسلسل لا أتوقع أنني سأفعل..على الأقل في هذه الفترة..لا أريد الكتابة لمجرد الكتابة..إن لم أكن متأكدا أن ما أقدمه سيضيف لي شيا في مسيرتي فلن يكون هنالك داعي للتجربة". وترى رحمة المغيزوية أن فكرة الكتابة للدراما فكرة قد تراود أي كاتب خاصة إذا آنس في بعض نصوصه اتجاها نحو كتابة الرواية من جهة، وأحس أن تجربته الكتابية يمكن أن تنتقل من الطور المقروء إلى الطور المشاهد والمسموع دون أن يمس ذلك بجوهر فكرة النص الذي كتبه، فيصبح العمل الدرامي هو عبارة عن نسخة مشوهة لما كتبه.
النص الغائب..ليس سببا
يصف مازن حبيب الدراما العمانية بأنها لا تزال تدور حول نفسها حين تتعامل مع مشاهديها، وكأنهم في معزل عن نظيراتها، فهي مُتوقعة وكثيراً ما تُدين مشاهديها وتخاطبهم بوعظية، معتقدة ربما أن هذا هو المستوى الذي يليق بذكاء مشاهديها. فلكم رأينا تنميطاً للشخصية العُمانية التي تظهر بمظهر الساذجة، والمغلوب على أمرها، والمغفلة أحياناً، حيث كثيرا ما تجد نفسها رهينة الحكمة الوعظية التي لابد أن تظهر في ثنايا الحلقة كدرس تلقيني لما ينبغي وما لا ينبغي على المرء تعلمه. ما الذي يجعلنا نعتقد حين نشاهد أن بعضاً من الممثلين لا يتجاوزون في أدائهم دور الشخصية الواحدة، التي لعلهم أجادوها في مسلسل ما فيما سبق، وظلوا يكررون ملامحها اعتقاداً منهم ربما أنها سر المهنة. فأحيانا تتحول أكثر المشاهد درامية لدى مشاهديه إلى مشاهد تدعو للضحك والسخرية من فرط المبالغة في التمثيل أو عدم الإقناع. لماذا يتكلم الممثل العماني حيث يجسد شخصية ما بصوت مسموع، في حين تشير كل المؤشرات أنه يقصد أن يُجري مونولوجاً داخليا؟ لماذا نصاب بالامتعاض، إن لم يكن الاشمئزاز، من الحوارات الباردة التي لا تنم عن فطنة ولا تقدم نقلات سلسة في الحدث؟ ولماذا تلك اللهجة المُفتعلة في الحوار التي لا نعلم إلى أي عُمان تنتمي، والتي يقصد منها أن تبرز مدى عُمانيتها، فتظهر وكأنها اللهجة الوحيدة المُعبِّرة، وتطمس مختلف اللهجات العُمانية الفعلية من شمال البلاد إلى جنوبها تعكس حقيقة التنوع الثقافي للبلاد وأهلها؟ ويرى خالد عثمان أن سبب ركاكة الدراما لا يرجع إلى النص الغائب: "ولكن من أخطر أسباب الركاكة -وهذه حقيقة لابد من النظر إليها بالعدسات المكبرة- الممثل العماني والمخرج العماني، حيث نجد أن هذا الممثل ما هو إلا موظف في وزارة الإعلام، فالتمثيل عنده وظيفة إضافية أي عمل إضافي يؤديه في وقت الفراغ، أي لا يتعامل مع التمثيل كمهنة واحتراف يعني إن أدى دوره بإتقان وحرفية أو بدون نفس فهذا لا يؤثر في وظيفته الأساسية. أما التمثيل عموما فهو فن الأداء إلى درجة الدخول في الشخصية المؤداة وتلبسها والتوحد بها حتى لا يظهر الفارق بين الشخصية الحقيقية والشخصية الممثَلة، فالمشاهد يرى الممثل الفلاني ولا يرى الشخصية في الممثل . فالمشاهد يتابع بالعين الناقدة ويلاحظ في أداء هذا الممثل وعدم إتقان أو تجانس الشخصية الواقفة أمامه مع المشاهد، والمواقف التي يقوم بها في العمل الدرامي. كما انه يدخل في علاقة مقارنة بين الإنتاج المحلي والإنتاج العربي الذي عرف صيحة درامية غير مسبوقة. ناهيك عن الانتاجات الغربية التي لا مجال للمقارنة بها الآن. هناك بعض الممثلين الذين صار لهم في التمثيل أكثر من ثلاثين سنة ولكنهم بلا أي تقدم في الأداء".
اللهجة..المقاصل.. الأداء:
ويحدثنا عبدالله خميس عن أن أحد الحواجز الكبرى أمام كتابته دراما اجتماعية للإذاعة بالدارجة المحلية هو التشويه الذي يُلحقه نمط التمثيل العماني بالجمل الحوارية قائلا: "معظم مسلسلاتنا الإذاعية والتليفزيونية يتكلم ممثلوها لهجة هجينة لا أعرف حقا من يتحدث بها في عمان. أراها لهجة غير مستساغة في دواخل عمان، وأعلم أن الجمهور ينفر منها. ولذا لا داع أن أكتب طالما أنا أعلم أنه لن يستمع لي أحد. لأجل ذلك فإن العمل الذي أكتبه حاليا هو باللغة الفصحى وهي مناسبة له نظرا لطبيعته العلمية، ولكن لا يمكن الاستمرار مع الفصحى في أعمال درامية اجتماعية لأنها ليست الأنسب لهذا النوع من الطرح. أما الدراما التلفزيونية فلم أفكر يوما في كتابة مسلسل تليفزيوني ولا يوجد مثل هذا التوجه لدي". ويخبرنا محمد الرحبي عن مخاوف تجريب الكتابة للدراما قائلا: "تأتي المخاوف ويتردد الكتّاب من الدخول لهذه التجربة لأنه إن فتحت وزارة الإعلام الباب أمامهم لتبني مواهبهم وإبداعاتهم يقوم آخرون بحمل السيوف لتقطيع الرقاب علنا، وحتى من لا يفهم كلمة نقد سينقد، ومن لا يفرق بين الدراما والدرامات سيشتم، وكأننا نمتلك قاعدة إنتاجية ضخمة تتيح الانتقاء قبل الانتقاد، وتقديم الأفضل مع أن هوليوود بجلال قدرها ومكانتها الفنية تقدم من الأعمال ما هو سطحي وركيك لكن حظها أنها ليست عمانية وإلا وجدت المقاصل جاهزة". بينما ينتقد خالد عثمان حال الدراما قائلا: "في مرات كثيرة نجد الممثل نفسه بين ليلة وضحاها صار مخرجا، فإذا كان التمثيل هو فن الأداء فان الإخراج هو فن تقديم هذا الأداء وإخراجه إلى الوجود من خلال تقنيات خاصة، ومتنوعة تعطي للصورة البعد الدرامي، ولكن ما نلاحظه في بعض الأحيان في الدراما العمانية أن المخرج يقبل أي أداء ركيك من الممثل كما انه لا يتفانى في تصحيحه أو تعديله على الأقل عن طريق الوسائل التقنية المتاحة. حتى كاميرات التصوير هناك أخطاء فنية في التقاط المشاهد، بمعنى أن المخرج لا يعتني جيدا بتفاصيل الأمور كأنه يريد أن ينتهي فقط من العمل والرمي به إلى المتلقي، وهناك عامل آخر يؤثر في عملية الإبداع في الإخراج وسبق أن وجدناها عند الممثل، وهي كون المخرج موظفا في الوزارة التي تنتج هذه الأعمال"
الحرية ثم الحرية ثم الحرية
وعن شروط الكاتب العماني التي يراها ضرورية للإقدام على خطوة الكتابة للدراما قال سعيد الحاتمي: "هنالك ثلاثة أمور بالتحديد أولا لا بد من وجود هامش مناسب من الحرية في اختيار المواضيع، وأسلوب التناول..ثم لا بد من وجود منتج يعطي العمل ما يستحقه..ووجود الكادر المحترف الذي يخرج بالعمل إلى النور وقد نضيف أمرا آخر وهو المردود المادي المناسب الذي يجب أن يتحصل عليه الكاتب".بينما شدد خالد عثمان قائلا: "الحرية ثم الحرية ثم الحرية.. ثم وسائل النجاح الأخرى"، وقال مازن حبيب: "قد لا أستطيع الحديث بالنيابة عن زملائي الكتاب فيما قد يدفعهم للكتابة الدرامية، لكنني أعتقد أن ثمة شعوراً ضمنياً بأن للدراما الحالية نبرة تم تحديدها مسبقاً، ومواضيع قد تم تفضيلها أكثر من غيرها سلفاً، حتى وإن لم تكن مُعلنة، وهذا ما قد يقابله الكُتاب بفتور. متى ما توفرت الحرية غير المقننة لدى الكاتب، فبإمكانه أن يتعمق في صراعات النفوس البشرية، والتعقيدات المتزايدة التي ظهرت في هذا الزمن المتسارع، والذي يلقي بظلاله على المجتمع والفرد، مجدداً دون أن يكون تبسيطياً نحوها، أو يتعامل معها بسطحية أو يعتقد أن من ضمن مهامه أن يقدم حلولاً لها. أعني حرية الكاتب في طرح الصراع الدارمي ومعالجته كما يراه، وكما سينعكس على أحداث العمل وضروراته. لو نظرنا إلى السنوات التسع الماضية مثلاً للاحظنا تغييرات كثيرة وكبيرة مست جوهر الإنسان العُماني وشخصيته وحددت مستوى تعامله مع الآخر من أقرانه ونمط معيشته وتطلعاته، ومازال مبكراً استيعاب كل هذه التغييرات والمطالبة بتجسيدها على الشاشة بنوع من الشمولية، بسبب قرب المدة الزمنية واستمرار دورة التغيير، لكن من المهم ملاحظة أن للدراما مساحة استثنائية للتعمق في دواخل البشر وعلاقاتهم المتضادة، لا أن يكون تجسيدها ملامساً للظاهر منها باستسهال"، وشاركنا عبدالله خميس برأيه قائلا: "حقيقة لا أعرف عن بقية الكتاب، لا أعرف ماذا قد يغريهم. أما بالنسبة لي فالإغراءات أربعة: وعد من شخص قادر على الوفاء بوعده بأن لا يتم تشويه حوار مسلسلي الإذاعي بلكنات هجينة، وأداء تمثيلي مفتعل ومقزز، وكذلك أن يكون المناخ الرقابي قد تحسن ووصل إلى الحد الأدنى من الأريحية الذي يسمح بتناول قضايا المجتمع الحقيقية دونما الزج بالشعارات التنموية التقريرية والوعظية والمباشرة في غير محلها في وسط الأعمال الدرامية، وأيضا أن يتم تصنيفي ككاتب بما يتناسب مع جودة نصي وليس في الفئة (ج) لمجرد أنني كاتب درامي جديد. أما إغراء الإغراءات فسيكون لو تم سن قانون يتيح للكاتب الدرامي العماني أن يتفرغ تفرغا مؤقتا ولكن كاملا للكتابة الدرامية. أي أن يفُرغ من عمله براتب كامل فترة ثلاثة أشهر أو ستة أو أكثر وفقا للعمل الدرامي الذي يقدِّم بخصوصه مقترحا للجهات المانحة للتفريغ، وذلك بعد صياغة آلية إدارية تنظم مسألة التفرغ، ويمكن الاستفادة في هذا الصدد من تجارب بعض الدول العربية مثل الأردن التي لديها نظام معمول به منذ عدة سنوات يسمح بتفريغ الكتاب والفنانين وفقا لآلية محددة ينظمها قانون خاص بهذه المسألة". وشدد أيضا المنذري على مساحة حرية التعبير في الأعمال الفنية، وأن يكون هناك مخرجون مبدعون صادقون في عملهم، ولديهم هدف واضح وهو إنتاج عمل مبدع ومتقن وفريد من نوعه وليس إجترارا وتكرارا لأعمال درامية عربية وغير عربية، لأن مخرج العمل هو أساس نجاح أي مسلسل أو فيلم لأنه هو من يختار النص الجيد ويتفاعل معه وهو من يختار الممثلين المناسبين لأداء الأدوار ، وهو من يدير العمل من الألف إلى الياء". على ضفة أخرى يعتقد محمد الرحبي أنه لا ماديا ولا معنويا يمكن أن يشفع للكاتب أمام الهجمات (النقدية/النكدية)، وأضاف: "رغم أنني أقرأها بروح ساخرة، وأضحك أحيانا لكن السؤال يدور حول جدوى ما نقدمه من جهد لنحصد هذا الغبار من مثيري الأتربة؟" وأردف قائلا: "أتساءل: هل أفكار درايش أكثر ضحالة من طاش ما طاش؟ هذا المسلسل الذي لولا وجود ناصر القصبي، وعبدالله السدحان (وقناة الـ أم بي سي) ما كان له هذا الصدى لأن بين أفكاره المسطح والعادي؟" وتابع قائلا: "لا أضيق بالنقد عندما يكون حقيقيا وهادفا، ولا حتى بما يقال في المنتديات أو الصحف، لأنني بكل بساطة انظر إلى الأمر بعين المتابع والمشاهد وصاحب التجربة الكتابية التي اعتز بها.. وواثق الخطوة يمشي ملكا"، وبشيء من التفصيل قال: "جرت الكتابة في درايش، وكانت حلقات العام الماضي محفزة لي للاستمرار هذا العام ببعض الحلقات، وعانيت من الرقابة، لكنني أقولها بوضوح وفخر أنني قدمت حلقات اتسمت بالجرأة، وليست هي درس قديم في كتابة القصة القصيرة حتى يطالب البعض بوجود المدرسة التقليدية في الأحداث، وكل حلقة لا تقدم وصفة سحرية لمشاكل المواطن والمجتمع، ولا يجب تحميل حلقة درامية فوق طاقتها لتناقش قضايا مصيرية". وترى المغيزوية أهمية فكرة النص، ومدى حداثتها، والدعم المادي والمعنوي الذي يتلقاه العمل،والتعاون المتبادل بين الأطراف المشتركة في العمل، أما الحنشي فيقول: "إذا وُجد الدافع المادي جذب كلّ شيء إليه، ولكن ما يجب الانتباه إليه أن العمل الدرامي شيء شاق ومُكلف، بالتالي ربما يضطر الكاتب للابتعاد عن طريقه كثيرا ربما" وأضاف الحنشي: "محمد سيف الرحبي كاتب رائع وجريء.. وحلقاته التي كتبها لدرايش هي استمرار لجرأته المعهودة منه، ولكن المستوى الفني والتسطيح، وتمويه الفكرة الأساس..شككنا في قدرة محمد سيف في اقتحام هذا المجال.. لذلك أتمنى من أي كاتب قصة أو رواية الحذر قبل الإقدام على تجربة كهذه.. خاصة وأنت تخاطب مشاهدا لا قارئا كما جرت العادة".
نريد حلقات عمل
وعن الحلول المقترحة قال عبدالله خميس: "حل هذه الإشكالية يكمن في تبني وزارة الإعلام العمانية، وغيرها من الجهات المعنية بالإنتاج الدرامي ورشَ عملٍ للتدريب على صياغة السيناريو. لن تخلق ورشة عمل من أي قاص أو روائي كاتبا دراميا بالضرورة، لكنها قد تستطيع اكتشاف موهبة مكنونة لدى واحد منهم لم يسبق لها أن وجدت مجالا لتعبر عن نفسها. في ذات الآن فإن على كتاب الدراما الموجودين في الساحة المحلية أن يقرأوا إصدارات القاصين والروائيين العمانيين سعيا لتحويل الملائم منها إلى عمل درامي، فهؤلاء أيضا عليهم الاقتراب من عالم الكتّاب والأدباء والدخول في شراكة معهم لأجل إنتاج أعمال درامية جيدة. وفي حقيقة الأمر فإن بُعد كُتّاب الدراما لدينا عن الإصدارات الأدبية يجعلهم يكتبون أعمالا مسيئة لشخصية الشاعر والأديب المعاصر ويصورونه بشكل تهريجي مسيء لا يعكس إلا عزلة هؤلاء الكتاب الدراميين وجهلهم بما وصل إليه الإنتاج الأدبي الحديث في عمان". واقترحت المغيزوية : "أن يتبنى القائمون على الدراما العمانية اختيار نصوص قصصية من الإنتاج الفعلي للكتاب العمانيين، ومن ثم طرح الفكرة على الكاتب لمعالجة النص بالأسلوب يناسب المعطى الدرامي أو تكوين حلقة ثلاثية الزوايا مكونة من القائمون على الدراما والكاتب وواضح السيناريو، بحيث يطرح القائمون فكرة تبني النصوص ويعرضون ذلك على الكتاب الذين بدورهم يقومون بترشيح نص من نصوصهم ومن ثم إجراء المعالجة الدرامية عليها، وفي اعتقادي ربما يكون ذلك حلا مناسبا لكل الأطراف، ومما يشجع على ذلك أن لدينا في الواقع الكتابي نصوصا قابلة للمعالجة الدرامية، كما أن هنالك نصوص يمكن أن يضمها موضوع واحد فمنها ما يتناول مشاكل المجتمع ومنها ما تناول التراث العماني وغيرهما"، وأكد الحاتمي على الفكرة السابقة حول ضرورة الإعداد لورش عمل في كيفية كتابة الأعمال الدرامية، وإعداد السيناريوهات لمجموعة من كتاب السرد والمسرحيون في السلطنة، والذين يملكون الرغبة مستقبلا في تجربة كتابة أعمال درامية. وشاطرهم المنذري في الرأي ثم أضاف: "ولكن هناك تساؤل: هل هناك اهتمام من قبل الجهات المعنية لإعداد مثل هؤلاء الكتاب؟".
ماذا لو تلقيت دعوة ؟
وعندما توجهنا بسؤالهم ماذا لو أن المسؤول وجه لك دعوة للكتابة لصالح الدراما فقال نبهان الحنشي: "لن أبادر ولن أفعل..يجب أن نُحترم كوننا كتّاب قصة.. أو رواية..هناك الكثير من الأعمال لنا، وأعتقد أنهم لو وفرّوا لها كاتب السيناريو الجيد لانتهت الكثير من المشاكل، ووجدوا أعمالا لا تهريجية ولا مزيفة ولا مُتخيلة، بل أعمال مرتبطة جذورها بالواقع العماني البحت" بينما قال يحيى المنذري: "كتابة المسلسلات كما ذكرت تحتاج إلى تقنية خاصة، وهذا أيضا يعتمد على مدى توفر عناصر العمل الجيد والتي ذكرتها سابقا. أما إذا جاء مخرج "قدير" وطلب مني إحدى قصصي المنشورة ليخرجها في عمل سينمائي أو تلفزيوني فلا مانع لدي شرط أن أقرأ أولا السيناريو"، وأشار عبدالله خميس إلى أنه: "قد أفعل، إذا كان لدي في وجداني ما أود قوله حقا ووجدت الوقت الكافي لذلك. نعم قد أفعل ضمن شروط محددة. أن يكون العمل إذاعيا وبالفصحى، أو إذاعيا بدارجة محترمة غير تهريجية أو مُسِفّة. لو وَجه لي شخص أثق به من الإذاعة مثل هذه الدعوة وأنا أعلم أنه قادر على أن يفي بكلمته ويحمي نصي من أذى الأداء التمثيلي العماني، فسأكتب للإذاعة دراما اجتماعية بالدارجة حينما يكون لدي ما هو مناسب لقوله دراميا". ويردف قائلا: "الشرط الآخر هو أن تكون الرقابة أكثر إنسانية، وعقلانية في تعاملها، ففي إطار درجة الرقابة المفروضة حاليا على الدراما العمانية فإنه لا أمل لدي أن ننتج يوما مسلسلا تليفزيونيا قويا أو يستحق أن يتابعه جميع العرب كما يتابعون الدراما السورية والمصرية وبعض الخليجية، وهنا أود القول أنني لا أنتظر من الرقيب أن يخفف من وطأة مهمته الصارمة من تلقاء نفسه، بل إن الكتاب الجيدين هم من سيجبرونه على قبول نصوصهم، إلا إذا كانت الغاية هي القضاء على أية بارقة لتحسين العمل الدرامي في عمان" وأضاف: "إن مشكلة الكاتب الدرامي العماني مع الرقابة مشكلة معقدة ذات طبيعة خاصة، فالمنتج الوحيد للمسلسلات التليفزيونية في عمان هو وزارة الإعلام، التي هي بنفسها الرقيب. ولا يمكن لهكذا مؤسسة أن تناقض نفسها. لو كان القطاع الخاص مضطلعا بمهمة الإنتاج لقاوم الرقابة وشاكسها وتحداها ولابد أن يحقق بعض المكاسب، لكنه من غير المنتظر أن تقاوم وزارة الإعلام نفسها.. لذا فالأمل الحقيقي لنهضة الدراما في عمان يتمثل في خيارين: مشاركة أقوى من القطاع الخاص في الإنتاج الدرامي والتمويل الكامل للمسلسلات بعيدا عن تليفزيون سلطنة عمان، أو عزل الرقابة عن الجهة الإنتاجية وذلك بتأسيس هيئة ذات صفة اعتبارية مستقلة معنية بوضع خطط واستراتيجيات وبرامج لتفعيل الإنتاج الدرامي وتشجيعه، على ألا تكون مراقبة النصوص جزءا من عمل هذه الهيئة بأية صورة من الصور". وقالت المغيزوية: "في هذه المرحلة أتوقع أن تكون مبادرتي في ضوء التعاطي مع نصوصي المكتوبة، بحيث يتم معالجة النصوص المكتوبة أساسا دراميا".
نريد معهدا للفنون
ويرى خالد عثمان أن: "الدراما ليست فنا اعتباطيا أو طبيعيا وإنما هي موهبة مصقولة بالعلم والممارسة، لهذا أتمنى أن نرى في يوم ما معهدا عاليا للفنون في بلدنا على غرار ما هو موجود في كثير من الدول العربية، يخرج لنا كوادر فنية في الدراما العمانية، فالأعمال العشوائية والتطوعية عمرها قصير، وليست بمستوى المسؤولية، وهي مرة في الطين ومرة في العجين"، وتطلع عبدالله خميس بشدة إلى خطة العمل والمقترحات والتوصيات التي تمنى أن تقدمها للفن في عمان اللجنة العليا الخاصة بدراسة أوضاع المسرح، والدراما في عمان، وتمنى أن تنتهي هذه اللجنة من عملها قريبا وتضع استراتيجية وطنية جيدة وناضجة للنهوض بالدراما في عمان، وتمنى أن يبدأ تنفيذ بنود خطة العمل هذه بأسرع وقت ممكن طالما كانت بنودا صالحة، وقابلة للتطبيق، وتحمل مؤشرات كافية تدلل أنها ستصب في صالح الدراما، والمسرح في عمان، وأضاف: "وطالما أننا نتحدث عن موضوع علاقة الأدباء بالكتابة الدرامية فإنني أطمح أن يكون من ضمن توصيات ومقترحات هذه اللجنة بنود تهدف إلى تجسير الفجوة بين القاص والكاتب الدرامي، عن طريق عمل لقاءات مشتركة وورش عمل لصياغة السيناريو يشارك فيها كتاب سيناريو محترفون ومتمكنون، وغير ذلك من الحلول الممكنة"، وفي نهاية استطلاعنا تمنى مازن حبيب أن يشاهد عملاً درامياً عُمانياً يُوصف بالذكي يحاكي التعقيدات الشتى التي تفرضها الحياة.