الثلاثاء، 7 يونيو 2011

عتبة الواقعية السحرية وغواية التفاصيل


يحيى سلام المنذري وطيوره الزجاجية

قراءة : خالد حريب


جاء باسم غريب لمجموعته القصصية «الطيور الزجاجية» ثم دخل مباشرة في الجزء الأول من المجموعة ليؤكد تلك الغرائبية فيلعب بالرمز كثيرا॥ ففي القصة التي تحمل اسم المجموعة فمه المليء بالشعر يمنعه من الصراخ॥ وهناك في نهاية المجموعة في وكر الحلاقين يصطدم بالرقابة الصارمة والتطفل فالمتماسكة أياديهم يراقبون رأسه وهي بين يدي الحلاق وهو الأمر الذي يزعجه كثيرا... لتصبح المسافة بين فمه في بداية النص وما بداخل جمجمته في نهاية النص هي الشغل الشاغل ليحيى بن سلام المنذري صاحب المجموعة التي يهديها بشموخ لثلاث زهرات مضيئة هن وجد وليان وسارة।وإذا كانت الغرائبية واحدة من الأسرار التي حاول المنذري أن يستخدمها في بناء النص إلا أنه لم يستسلم لهذا الإغواء بالمطلق فالربط متواصل بين خياله ورمزه وبين عناصر اليومي وربما بهذه الحيلة استطاع أن يجعل من مجموعته نموذجا لحل المعادلة التي طالما أنهكت قوى الكتابة وهي كيف تكون عميقا وبسيطا في النص الواحد।وقبل أن نبتعد عن هذه النقطة دعونا نتعرف على معنى مصطلح الغرائبية في الأدب ؟ حيث يرى بعض النقاد أن الغرائبية هي جزء أساسي من دلالات الواقعية السحرية كما شاعت في الأدب، خاصة القصة بشكليها الرئيسيين الرواية والقصة القصيرة।وفي حالة الطيور الزجاجية للمنذري نرى انه اعتمد عليها كلمسة فقط مع محاولة جادة منه لتضفيرها بتفاصيل الواقع إذ يرسم القاص تفاصيله رسما موغلا في البساطة والألفة مما يزيد من حدة الاصطدام بالغريب والمستحيل الحدوث حيث يجاوره ويتداخل فيه.وقد يرى البعض أنه لا تناقض بين العمق والبساطة॥ وهم بالطبع على حق ولكن تكمن البراعة في القدرة على الجمع بينهما فهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال كاتب عركته التجربة فيستطيع بهدوء إصابة هدفه دون افتعال.إنه واقع سحري فعلا، لكن الكاتب لا يرسمه للإمتاع فقط، وإنما للإيحاء بفكرة فلسفية أو مجموعة أفكار منها أن العالم الذي نراه مألوفا فيه قدر كبير من الغرابة، ومنها، لا نهائية المعرفة وما تتضمنه أحيانا من رعب.ويرصد النقاد أن خصائص هذا اللون من الواقعية يتجلى بوضوح في أعمال المبدع العظيم كافكا.وبالرجوع لطيورنا الزجاجية نشير إلى قصة «الممثل» فقد نجح المنذري في دمج عدة أطراف متباينة لتشاركه كتابة النص ومن بين تلك الأطراف القارئ ذاته فالرسالة تأتي من التلفاز من خلال ممثل يرمي بجملة حادة قائلا «لقد كتبت خمسين صفحة ولم أجد القصة بعد» وبعدها تتعقد الأمور حيث يتورط المنذري في زيارة مفاجئة لضيف.. والضيف له دراما مختلفة عن التي يعيشها الكاتب والقارئ يراقب بنفس لاهث التلفاز والكاتب والممثل والضيف ويبحث عن القصة وتبقى هذه الورطة هي بذاتها قصة يخطفها المنذري ليقدمها لنا في واحدة من ألعابه الشيقة.ويظهر الضيف بصورة مختلفة في نص آخر تحت عنوان فرعي «صاحب المزرعة» ولكن تتبدل المواقع فصاحب البيت منصور هو الذي يتحايل على القادم هذه المرة فيضيفه من محصول المزرعة التي يملكها القادم حيث اختلس منصور برشاقة بعضا من الفاكهة بغرض الستر لحظات الضيافة ولكنه يدفع الثمن غاليا بالتجريس والرحيل.ومجموعة الطيور الزجاجية لم تصدر لتسعى في الفراغ ولكنها كاشفة بل ومتصادمة في بعض الأحيان مع الصورة المسيطرة والعامة لشعوب العالم الثالث فيرصد المنذري في واحدة من حكايته صورة المستبد من خلال نص «خوف العصافير الصغيرة» متخذا حيلة المدرس المتعسف والتلاميذ البريئة ليكتب روشتة الانتصار بانفجار السخرية من الصف الأخير وبالرغم من الأثمان المعروفة في مثل تلك المواجهات إلا أنها تعتبر بسيطة في سبيل خروج مارد الغضب من داخل القفص.ودعونا نحاول معا فك شفرة غرام المنذري بحكاية «الزجاجية» فما أن نخرج من الطيور الزجاجية حتى يلح علينا في الجزء الثاني من المجموعة بعنوان مشابهة وهو «القطط الزجاجية» هل لأن الزجاج هش وشفاف ربما ؟صدرت مجموعة «الطيور الزجاجية» التي تقع في مائة وأربع صفحات عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع بدمشق – سوريا .. وجاءت لوحة الغلاف للفنان السوري ناصر نعسان أغا ومن تصميم المهندسة سوسن الحلبي.. وتعتبر المجموعة من أحدث إصدارات الدار والكاتب معا وتم تدشين الطبعة الأولى منها في 2011.






ملاحظة: نشرت القراءة في ملحق شرفات بجريدة عمان بتاريخ 07يونيو2011