تم نشر هذه الاضاءات في ملحق أقاصي المنشور بجريدة الشبيبة بتاريخ 20ديسمبر2009
يحيى سلام المنذري
نظمت لجنة النثر التابعة لجماعة الخليل بن أحمد الفراهيدي للأدب جلسة قصصية في يوم الثلاثاء بتاريخ 17 نوفمبر 2009 قرأ خلالها ثلاثة من طلبة الجامعة نصوصا قصصية وهذه إضاءات نقدية حول القصص.
"لا يوجد شعب لا في الماضي ولا في الحاضر، ولا في أي مكان من غير قصة". الناقد الفرنسي رولان بارت
-----------------------------------------
الحكايات كثيرة في حياتنا ، والقصة تستمد قيمتها من صدق الكاتب نحو قضايا تمسه وتلامس من حوله، والكاتب يقص على الورق حكايته القصيرة أوحكاية ما حوله أو حكاية شعب أو تاريخ، يعبر عنها بإسلوب فني غير مباشر عن مشهد مكثف مجتزأ من عمق الحياة يحتوي على شخصية أو أكثر ॥ هذه الشخصية قد تكون إنسانا أو مجموعة من الناس أوكائنا حيا آخر أوجمادا॥يعبر عنها في حالة ॥أو رؤية ذاتية أو غير ذاتية ॥ أو من خلال فلسفة قضية ما في ثنايا حكاية॥في الواقع ..أو الإسطورة ..أو الخيال । أو الخرافة ، وكل ذلك في نصف صفحة أو أكثر، إنها قطعة أدبية فنية تصنف على أنها قصة قصيرة। والقصة القصيرة الناجحة من وجهة نظري هي التي تحتوي على فكرة غير مألوفة عبر لغة سلسة وأحداث مشوقة قد تكون واقعية أو غرائبية تسلب لب القاريء من البداية وحتى النهاية بحيث ترسخ في ذاكرته مشعة بأحداثها ونهايتها، هي التي تدهشه وتجعله يقول كم تمنيت أن أكتب كهذه القصة أو يقول ياه هذا ما كنت أريد قوله أو كتابته. ونحن اليوم أمام ثلاث قصص قصيرة لكاتبتين وكاتب : قصة "مجرد وهم" للكاتبة نوف السعيدي، وقصة "مدعي الجنون" للكاتبة رحمة الحراصي وقصة "رسالة إلى الشمس" للكاتب أحمد الحجيري، وقد إختلفت القصص الثلاث في الإسلوب والأفكار وحاولت تقديم كتابة إبداعية بعيدا عن أساليب التهويم والتهويل في الكتابة وكل نص يختلف في مستواه الفني عن الآخر، وبحق فإن هذه الكتابات تنم عن مواهب سيكون لها شأن إذا ما تم الاشتغال على تطويرها بالقراءة والاطلاع والكتابة المستمرة وعدم ربطها فقط بأيام الدراسة في الجامعة وعلى أنها مجرد نشاط في وقته وقابل للإختفاء بعد التخرج، بل يجب أن تكون الكتابة بمختلف أنواعها (قصة ورواية ومقال وشعر وبحث) مشروع حياة لأنها عمل إبداعي يعبر عن الكاتب والشعوب وقضاياهم وهي في غاية الأهمية.
***
قصة "مجرد وهم": قصة فتاة تحمل منذ طفولتها شبح وهم وهو أن ثمة من يراقبها، تولّد عندها -حسب ما ورد في القصة- منذ أن كانت أمها تراقبها وهي طفلة خوفا عليها من الأشياء المؤذية، ظل هذا الوهم يتبعها حتى بعد المراهقة ، لكن كيف عبرت الكاتبة عن كل ذلك؟ القصة اقتربت من التكثيف والتركيز على عنصر الوهم الذي يرافق الفتاة، وقد تم فضحه من العنوان (مجرد وهم) وهذا أفقد القصة عنصر المفاجأة ، إضافة إلى أن الفقرة الأولى التي استفتحت الكاتبة بها القصة أدت نفس مهمة العنوان وهو كشف خبايا القصة وخاصة في عبارة (دائما ما كنت أشعر بهم يراقبونني، ثم اكتشفت أني واهمة) ، هنا تُكتشف فكرة القصة وفكرة الوهم ، ولكن رغم ذلك فإن الكاتبة آثرت بأن ترمي عنصرا آخرا أو شبكة تشويق للقاريء حينما كتبت: (غير أن الأمر جدي هذه المرة ، إنهم في كل مكان، لا أستطيع التحرك خطوة بعد، إنهم يتبعونني مذ ذلك اليوم..هم لا يرتدون البدلات السوداء حتى لا أكتشفهم) هذه العبارة أضفت على الحكاية نوعا من الغرابة هو مفتاح يجب أن يستلمه القاري ليتوجه ويبحث عن قفل الحكاية ليفتحه ويعرف ما سر هؤلاء أصحاب الملابس السوداء. لكننا لا نقرأ عنهم سوى في الفقرة الأخيرة من القصة وكأنهم يرمزون للرقابة المستمرة وأن كل ما مرت به الفتاة ليس وهما أو ربما تريد أن تقول إن الذي كان وهما أصبح حقيقة الآن. وبين الفقرتين الأولى والأخيرة تبدأ حكاية ظهور واستمرار الوهم من خلال قصة طريفة للفتاة وهي في مرحلة الطفولة وقصة أخرى في فترة المراهقة ، القصة التي وردت في مرحلة الطفولة كانت بحق جميلة ونجحت الكاتبة في التعبير عنها فاللغة كانت رشيقة وابتعدت إلى حد ما عن المباشرة وكان الإسلوب مشوقا والفكرة غير مألوفة ، كما نجحت في صياغة الحوارات بين الأم والطفلة وبين المعلمة والطفلة، أما القصة التي وردت في فترة المراهقة كادت تقترب من نفس عناصر الأولى لولا أنها وقعت في إسلوب تقريري في الجزء الأخير الذي تفاجأنا فيه بإكتشافها أن كل ما مرت به ليس سوى حالات من الوساوس وذلك بسبب وقوعها في مرحلة النضج وابتعادها عن المراهقة، والكاتبة كان بإمكانها التعبير عن هذه الفكرة بأسلوب أفضل.
***
قصة "مدعي الجنون": وفقت الكاتبة حينما بدأت القصة بجملة حوارية على لسان الأم .. ((إسبقيني إلى الخارج)) .. هنا ترمي الكاتبة عنصر التشويق ، ليكتشف القاريء بعدها أن الحكاية ستكون عبارة عن مشهد مجتزأ عند الباب ، المشهد في داخل البيت يتمثل في شخصية الأم والفتاة الساردة، وفي خارج البيت يتمثل في شخصية القصة الرئيسية وهي المجنون سعد أوسعدون ، حيث يدور حوار بين شخصية الأم وبين سعدون ، بينما الساردة تصف المشهد بمشاعرها العفوية والتي تقترب من المشاعر الطفولية، بدأت القصة محكمة فنيا حيث أحتوت على التشويق والوصف للشخصيات والحدث والحوار، وما إلى ذلك من عناصر الحكاية ، إلا أنها بعد ذلك تعثرت في التحدث عن شخصية المجنون بشكل مباشر وتقريري، وكيف أنه كان في المدرسة وكيف أصبح في الصف التاسع ، والتحدث عن عبقريته المختبئة وراء جنونه ، بدون إشتغال واضح على عملية السرد القصصي المشوق وكأنه بيان يجب أن نعرفه عن المجنون في نهاية القصة. أما من ناحية الفكرة فإنها -في رأي- مألوفة بعض الشيء فالحكايات التي تتحدث عن هذه الشخصيات كثيرة ومتكررة ولكن كان بالإمكان التعبير عنها بإسلوب غير مألوف مثل التركيز على نفسية المجنون وسرد أحداث غريبة عنه. وكتابة القصة تحتاج إلى إشتغال فني ومجهود في التعبير عن الأحداث والشخصيات حتى وإن كتبت في خمسة أسطر، فعالم القصة القصيرة قد يكون مكثفا ولكن يجب أن يكون عميقا وقد يتحدث عن أشياء كثيرة.
***
قصة "رسالة إلى الشمس": هذا هو العنوان الوحيد بين النصوص الثلاثة الذي بدى مشوقا ومبهما ، فالقاريء يريد أن يتبين ما هي هذه الرسالة ولماذا هي موجه إلى الشمس. القصة عبارة عن رسالة إلى صديق قديم إبتعد عن أصدقائه وقد مثل الكاتب إبتعاده بإبتعاد الشمس عن الأرض، ولكن أليست الشمس قريبة من الأرض وكائناتها ، بل تقدم لها الحماية والدفء؟ الرسالة عبارة عن خواطر عاطفية وذكريات وعبارات من العتاب ، تبتعد عن الحكاية ، وهي موجهة إلى شخصية مسعود الذي لا نكتشف سبب إبتعداه عن أصدقائه الثلاثة ، مجرد إشارات إلى أنه رحل عنهم وأصبح في عالم غير عالمهم ، النص -كما ذكرت- عبارة عن مجرد خطاب إلى صديق رحل إلى عالم آخر. ولكن هذه الرسالة إحتوت على لغة جميلة وتخلو تقريبا من الأخطاء وصياغتها جاءت متماسكة ، بينما في القصة الأولى والثانية هناك بعض الأخطاء الإملائية والمطبعية. وأود أن أشير إلا وجود بعض العبارات الجاهزة -والتي وردت في قصة مجرد وهم وقصة مدعي الجنون- والتي لا يحبذ إستخدامها في كتابة نص إبداعي ، حيث من الضروري أن يستخدم الكاتب إسلوبه الخاص الفني في صياغة عباراته وجُمله، ومن الأمثلة على ذلك عبارات من مثل: ((هل أتى علي حين من الدهر))، ((الأحياء منهم والأموات))، ((عبارات الثناء))، ((ضرب للشرطة أروع الأمثلة في الذكاء)).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق