الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

يحيى سلام المنذري لشرفات :الانقطاع عن النشر لا يعني انقطاعا عن الكتابة .. ومستقبل القصة واضح


حاورته: هدى الجهورية

يحيى سلام المنذري.. واحد من القاصين العمانيين الذين برزوا في حقبة التسعينيات، أو ما اصطلح عليه بجيل التسعينيات، الذين جاؤوا فوضعوا شكلا جديدا في الكتابة القصصية بالسلطنة. تخرج في كلية العلوم تخصص إحصاء بجامعة السلطان قابوس، وكان في عام 1993م قد أصدر مجموعته الأولى: نافذتان لذلك البحر أتبعها بعد ذلك بمجموعة قصصية حملت عنوان رماد اللوحة، ثم بمجموعته الصادرة عام 2003 ضمن سلسلة كتاب نزوى والتي حملت عنوان بيت وحيد في الصحراء.. يعد يحيى بن سلام المنذري واحدا من القاصين البارزين في الساحة القصصية، وقد شارك بفاعلية في مسابقات محلية أحرزت من خلالها نصوصه المراكز المتقدمة، ثم شارك كمحكم في بعض المسابقات التي يأتي الملتقى الأدبي في مقدمتها، حيث كانت مشاركته الأخيرة في الملتقى الخامس عشر بالبريمي..أرادت شرفات في هذا العدد أن تقترب منه، ومن عوالمه القصصية..
آخر كتاب صدر لك كان عام 2003، وبعدها انقطعت من النشر .. لماذا كل هذا الانقطاع عن عملية النشر؟
عندما أبحث عن إجابة لمثل هذا السؤال أجد نفسي تائها، أو بالأحرى لا أجيد تحديد سبب إنقطاعي عن نشر كتاب، فهل هي الوظيفة البعيدة عن الكتابة؟ هل هي إلتزامات عائلية وإجتماعية والتي لا تنتهي؟ هل هي عملية تأن ودراسة بطيئة للكتب الثلاث المنشورة؟ أم ماذا؟ ولكن دعيني أقول بأن السبب الرئيسي هو التشتت بين كتابة القصة القصيرة -وهي أقرب إلي- وبين مجال عملي ودراستي للماجستير في علوم الإحصاء حيث الأرقام والبيانات والفرضيات الإحصائية، فالدراسة هنا أخذت الكثير من وقتي رغم أنني كنت أكتب بعض المشاهد بينما كنت في إستراليا ، إضافة إلى هذا السبب هو عدم تنظيم الوقت، فأنا أعاني من هذه المشكلة وأشعر بأنه رغم الوقت والجهد المبذول في العمل والدراسة والتي إنتهيت منها في نهاية عام 2006 إلا أنه كان بالإمكان وبتنظيم ولو قليل للوقت أن أكتب، أنا الآن أشعر بأنني أهدرت الكثير من الوقت.. نعم الكثير من الوقت.. وعلى فكرة أنا كثيرا ما أحاسب نفسي على ذلك، ولكنني في الوقت نفسه أتهاون، وبعض الأحيان أقدم وعدا قاطعا، وأقول من الغد سأنظم وقتي جيدا، وسأحدد وقتا كبيرا للقراءة ووقت للكتابة، ووقت للكسل.
الانقطاع يخيفنا كقراء.. ربما لوجود كتاب قصة تعرفهم أنت جيدا انقطعوا بشكل نهائي عن الكتابة ... ما رأيك؟
بالنسبة لي أنا يخيفني إنقطاعي، لكن الآخرين ربما سأقلق قليلا لانقطاعهم عن كتابة القصة القصيرة لأنني أعرف بانهم اتجهوا إلى إهتمامات أخرى كالمجالات الأكاديمية والفكرية، ومجالات الدراسات والبحوث وهي حقول مهمة جدا جدا ونحن بحاجة إلى مفكرين وباحثين. لكن المخيف في الأمر فعلا هو الانقطاع نهائيا عن الكتابة والقراءة والثقافة بشكل عام، حينها يرجع الكاتب إلى مجموعة الهامش ويكون حاله كحال الآخرين الذين يسعون فقط إلى الزواج، والعمل والجلوس في البيت وانتظار الراتب أو التقاعد وأنا لا أريد أن أكون كهؤلاء.
هل الانقطاع عن النشر .. هل يعني الانقطاع عن الكتابة أيضا ؟ خصوصا وأننا سمعنا أنك تحضر لكتابة رواية... أين وصلت الآن في كتابتها.. وهل نتوقع نشرها قريبا؟
أنا!! من قال هذا؟ أنا لم أقل بأنني أكتب رواية .. أنا قلت بأنني أعمل على تحضير مجموعة قصصية جديدة، ولكنني بطيء بعض الشيء في تصليح، أو تعديل محتواها من قصص، فأنا من النوع الصعب في نشر قصة لست مقتنعا بنشرها، وربما هذا سبب آخر لتأخري في النشر، فأنا لا أرغب في النشر من أجل النشر وفقط أو نشر أي شيء، ولكن وكما قلت في لقاءات سابقة بأنني أتمنى كتابة رواية واعتبر كتابتها مجال صعب للغاية، تحتاج إلى ذهن صاف، ووقت كبير، الرواية عالم كبير وصعب، وليس كل من كتب رواية نجح في كتابتها.
هل اتجاه كتاب القصة إلى الرواية هو هجر نهائي، أم يمكن مزاولة القصة والرواية جنباً إلى جنب.. كما أشار الكاتب محمود الرحبي في حوار سابق إلى ذلك؟ أم أن مستقبل القصة غامض إلى الآن في عمان؟
سؤال الهجرة هذا ربما يجيب عليه من كتب القصة، ثم تركها وكتب روايات وظل يكتب روايات ونسي كتابة القصة، وهذا يعتمد على الكاتب نفسه إن رأى بأن عالم الرواية سيكون أقرب إلى نفسه من كتابة القصة القصيرة، فليكتب روايات ويترك كتابة القصة، ولكن أيضا لا ضير أن يكتب القصة ثم يكتب رواية ثم يعود لكتابة القصة، فلا نستطيع أن نضع معايير لهذا الموضوع، فنحن نعرف بأن يوسف أدريس كاتب قصة من الدرجة الأولى لكنه كتب بعض الروايات، وله بعض المسرحيات، وهناك أيضا غسان كنفاني الذي كتب قصص أكثر من كتابته للرواية، بينما لم أقرأ رواية لكتاب القصة المعروفين مثل زكريا تامر أو إبراهيم صموئيل أو حتى بورخيس، وهناك الشاعر سيف الرحبي لديه إلتباسات قصصية كما أطلق عليها، وكأنما كانت تلك الإلتباسات بوح وتعبير ممزوج بالحكاية والشعر. وفي الخلاصة أقول بأن الموضوع لا يشكل لي قلقا أبدا. أما بالنسبة لغموض مستقبل القصة في عمان فأنا لا أشعر بأن هناك غموض بل الرؤية واضحة فهناك كتاب جيدين وهناك إصدارات كثيرة، ومستوى القصة عند بعض الكتاب من ناحية الجودة يتصاعد من عام لعام، وفي الوقت نفسه لا مانع أن يتجه بعض هؤلاء الكتاب إلى كتابة الرواية إن هم وجدوا بأن مساحة الرواية تمدهم بالتوسع في الشخوص والاحداث وغيرها.
أنت من المقلين في عملية النشر في الدوريات والملاحق الثقافية.. لماذا؟
لأنني وكما ذكرت سابقا مقل في الكتابة.
• القارئ لمجموعتك «بيت وحيد في الصحراء» يشعر وكأن العمل عبارة عن مجموعتين ... لماذا لم تفرد لـ «زارعو غابة الاسمنت» مجموعة خاصة بها؟
بعد أن انتهيت من كتابة هذا الجزء وهي القصص المتصلة والمنفصلة والتي عنونتها بزارعو غابة الاسمنت لم يتبادر إلى ذهني في ذلك الوقت أن أجعلها مجموعة منفصلة، نعم ربما كنت استطيع فكان بإمكاني تأجيل نشر الكتاب والتوسع أيضا في قصص الجزء الأول لكنني هكذا إرتايت في ذلك الوقت أن أنشرها هكذا ، وقد تلقيت الكثير مثل هذه الملاحظة، وهذا السؤال، ولكن هكذا نشرت تلك النصوص.
القارئ لنصوص المنذري يشعر بحضور التشكيل فيها، ولديك نصوص مثل «اللوحة» «رماد اللوحة» ... فما هي علاقتك بالفن التشكيلي؟
أنت ذكرتيني بالصديق القاص سليمان المعمري فقد كان يسألني نفس السؤال في اللقاءات الاذاعية التي أجراها معي، وأنا قلت له واقول لك الآن ربما لأنني كنت أتمنى أن أكون رساما، وفشلي في أن أكون كذلك ربما كان له تأثيره في كتابتي للقصة فجاءت على ذلك النحو، وخاصة قصة رماد اللوحة وشخصية سلمان الرسام.
• كيف استفاد نصك القصصي من عوالم اللوحة، وهل تؤمن بتداخل الفنون ؟
طبعا هناك تداخل بين الفنون، وهو شيء جميل وممتع، أما الاستفادة من عوالم اللوحة أو الرسم في نص قصصي يعتمد على موضوع القصة فمثلا إبتدأت قصة «اللوحة» والمنشورة في مجموعة «نافذتان لذلك البحر» بوصف اللوحة المعلقة على جدران المعرض، وبعدها إنطلقت القصة في أحداثها وتبين أن السارد كان يتأمل اللوحة بألوانها وأحداثها، كانت بالنسبة له كحدث يمده بتنبؤات كابوسية، هنا موضوع القصة إذن هو المرسوم في اللوحة وتأملات السارد له، وكقارئ لهذا النص أرى أن التشكيل حاضر فيها بقوة، إلى جانب اللغة الشعرية ، وفي الجانب الآخر قصة «رماد اللوحة» في المجموعة الثانية تتحدث عن معاناة شاب لديه موهبة الرسم يتعرض لضغوط اجتماعية سببت له آلاما نفسية وجسدية فيقرر أن يرسم كل الشر الذي تعرض له في لوحة ثم يحرقها وهذا طبعا كعزاء ومتنفس وإنتقام بطريقة الضعيف المغلوب على أمره، هنا الموضوع يختلف عن القصة الأولى لكنه لا يبتعد عن التشكيل وعن الشعر، وهناك فنان عماني رسم لوحة بعد أن قرأ هذا النص، فالقصة أوحت له بلوحة، ربما يكون قد تماهى معها كون موضوعها كان قريبا إليه، من هنا تأتي أهمية تداخل الفنون، فأنا أستمتع بقراءة رواية تجمع بين الشعر والمسرح والرسم أو قراءة قصيدة طافحة بالقصص كالقصائد القصصية الجميلة للشاعر أمل دنقل، وهناك تجارب في مزج الفن والشعر مثل الكتاب الذي ضم رسومات وقصائد متداخلة للفنان ضياء العزاوي، والشاعر محمد بنيس، وطبعا لاننسى تجربة حديثة من عمان وهي تجربة « أول الاحتراق .. آخر الدخان» لعلي الصوافي وبدور الريامي حيث تم من خلالها مزج الشعر بالرسم بالسينما.
قصتك حبّات البرتقال المنتقاة بدقة، صادفت نجاحا أكثر من قصصك الأخرى، فقد حولت إلى تمثيلية إذاعية من قبل مؤسسة برامج الخليج الإذاعية، كما حولت أيضا إلى تمثيلية في إذاعة سلطنة عمان، كما حملت أيضا عنوان كتاب مختارات قصصية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية من الخليج «برتقالات تحت الشمس»، وكان هنالك مشروع للمصور بدر النعماني لتحويلها إلى فيلم سينمائي قصير.. ما سر هذه القصة ، بالرغم من أنها كتبت في فترة باكرة من دخولك عالم الكتابة؟
هل لهذه القصة سر؟ ربما ؟ ولكن أستطيع القول بأنها قصة نشرت في كتاب «نافذتان لذلك البحر» الذي صدر عام 1993 ، وكتبتها بعد أن رأيت رجلا أعرج يعبر الشارع، فور رؤيتي له أصابتني رعشة، وظل مشهده يطاردني حتى امسكت ورقة وكتبت حكاية ذلك الرجل من مخيلتي ، فأنا لا أعرف الرجل شخصيا، ولم أره بعد ذلك ابدا ، لكنني كتبت عنه ، المشهد كان له تاثيره علي ، كان حارقا وكان طافحا بالأسئلة والاحتمالات، كيف سيصل إلى آخر الشارع؟ هل سيصل؟ هل له أولاد؟ من هو يا ترى؟ كيف أصيب ؟ أو ربما ولد هكذا؟ كيف للشارع والشمس والسيارات أن يكونوا مصدر ازعاج وألم؟ هكذا جاءت القصة من مشهد سريع مرّ عليّ لكن تأثيره كان قويا إلى قصة قصيرة، وكان تدفق أحداثها حينما كتبتها غريبا، جاءت هكذا مرة واحدة، بمعنى آخر هي من القصص التي كتبتها في جلسة واحدة وبعدها بالطبع بدأت أعمل على إعادة بعض الصياغات، إذن ربما كانت تقنية السينما حاضرة بدون وعي مني، هكذا سمعت ملاحظات الأصدقاء والنقاد، وأنا الآن أنظر لها بالنظرة نفسها، إسلوب كتابتها يعتمد على تقطيع سينمائي، وحدثها إنساني وفكرتها ربما قد تكون غير مألوفة ونهايتها حسب آراء القراء كانت صادمة ومحزنة وغير متوقعة.. وبالنسبة إلى تحولها إلى تمثيلية إذاعية من قبل مؤسسة برامج الخليج الإذاعية فأنا غير راض أبدا عن إخراجها بتلك الطريقة، فقد أعطيت لسينارست لم يتفاعل معها بصدق بل عمل على تشويهها، كما أنه أو أنهم لم يطلعوني على السيناريو، فقط بعد فترة سمعت التمثيلية، وكانت جريمة بحق القصة.
• هل ترى أن قصة البرتقال هي أجمل قصصك بالفعل، أم أنها الشجرة التي أخفت الغابة؟
أنا ليست لدي القدرة على الحكم على أنها أجمل قصة كتبتها أم لا، الذي يحكم هم القراء شرط أن يكونوا قد قرأوا جميع ما كتبت، ولكن أستطيع القول بأنها من القصص القريبة إليّ.. ما رأيك أنت هل هي أجمل قصصي؟
لا يمكن أن أجزم بذلك، ثمة نصوص أخرى أعجبتني أيضا... لكن دعني أسألك: كيف تنظر إلى الجيل القصصي الذي ظهر متزامنا معك: محمود الرحبي، يونس الأخزمي، ومحمد البلوشي، وسالم آل توية... وغيرهم ربما؟
في رأيي أن هذا الجيل هو الذي أسس القصة الحديثة في عمان، بمعنى آخر ابتعد عن الإسلوب الكلاسيكي المباشر والمتبع في كتابة القصة، واختط لنفسه اسلوبا مغايرا وكان جادا وعميقا في طرح كتابته، فمحمود الرحبي كاتب قصة مرهف الحس، وصادق نجح في أن يخط له مسارا واضحا ومتقنا في مجال القصة القصيرة، ويونس الأخزمي له نفس طويل في الكتابة تجلى في أربع مجموعات قصصية لكن الوظيفة تبتلعه بضراوة، بينما محمد البلوشي صاحب المجموعة الوحيدة والمتميزة (مريم) إبتعد عن القصة فورا بعد إصداره لها وإتجه إلى الإبداع في المجال الأكاديمي والعلمي، لكنني اشعر بأنه سوف يعود لكتابة القصة، فأنا أتذكر بعد فترة من إصداره لمجموعة مريم قلت له من يكتب هذه القصص لن يتوقف عن الكتابة، لكنه توقف .. وربما سيعود، أما سالم آل توية فيمتلك حالة خاصة في الكتابة، وهو بطيء في النشر مثلي تماما، ولسالم مشروعه الجاد والمتميز في القصة كما أن مشروعه المهم جدا في مجال حقوق الانسان أخذه بعيدا وقريبا عن القصة.. لأنه حسب رأي مجموعة حد الشوف إمتداد لمشروعه ذاك. وهناك أيضا القاص والإعلامي محمد اليحيائي له إسلوبه الخاص، والممتع والباحث خالد العزري الذي أصدر مجموعة واحدة ثم إنشغل بالدراسة، والبحث وبالكتابات الفكرية، طبعا هناك آخرون واعتبرهم امتدادا لهذا الجيل وهم متميزون كسليمان المعمري وعبدالعزيز الفارسي وحسين العبري وعلي الصوافي وناصر المنجي وأحمد محمد الرحبي وبشرى خلفان وغيرهم.
كيف تنظر إلى الجيل اللاحق من الشباب الذي نشط في كتابة النص الآن، خصوصا، وأنك كنت قبل فترة بسيطة تُحكم القصص في الملتقى الأخير في البريمي؟
إستمتعت بقراءة الكثير من القصص التي نشرت حديثا، وأصحابها من ذوي المواهب التي تفصح عن تفرد، وتميز مثل هدى الجهورية، وسلطان العزري، ووليد النبهاني، ورحمة المغيزوية وغيرهم. ولكن أيضا هناك كتابات متسرعة تنشر في كتب بين فترة وأخرى، ومن ضمن الأسباب في رأي هو طباعة الكتب مجانا في عام الثقافة بمسقط فبعض الكتاب أخذوا يتسارعون في الاستحواذ على الفرصة المتاحة وطباعة مخطوطاتهم بدون مراجعة طالما بأن الطباعة مجانا إلى جانب الحصول على عائد مادي.
ما هي علاقتك باللغة في النص في مجموعاتك الأولى ؟ وأين هي اللغة عن مجموعتك الأخيرة.... هل هجرتها ؟؟ ولماذا ... ألم تعد لائقة بالنص ؟
هل تقصدين اللغة الشعرية؟
نعم قصدت حضور اللغة في مجموعاتك..كان متدرجا، فكنت تنتقل من اللغة الباذخة إلى اللغة البسيطة فالأبسط... كما حدث مع جيل كامل من كتاب القصة.. أرجو أن تخبرنا أكثر عن علاقتك باللغة، ومن ثم انفلاتك منها ؟
لا أعرف إن كان تعبير لغة باذخة او بسيطة في محلها، لكنني سأوضح هذه النقطة، كان الهم السائد في الكتابة القصصية ذلك الوقت كتابة قصة حديثة ومغايرة، وهذا ما كان يحدث أيضا في بعض الدول العربية كالبحرين والمغرب والجزائر فهناك مثلا أمين صالح، ورشيد أبو جدرة، وفاضل العزاوي، وسليم بركات وغيرهم، هناك أصوات وكتابات تحتفي باللغة لدرجة أنها تصل إلى النحت فيها، وعندها تخرج القصة من أركانها وتصل إلى النص المفتوح، وكان التعامل مع هذا النوع من اللغة بالنسبة لي مغامرة.. مغامرة من النوع اللذيذ، وأنا كنت حذرا في ذلك فاللغة في المجموعة الأولى لم تسيطر على الأحداث، ولم تغيب الشخوص، والفكرة كانت حاضرة بقوة والدليل على ذلك قصة حبات البرتقال، وقصة الرجل صاحب الصرة وقصص أخرى..وكانت الأجواء الغرائبية والكابوسية حاضرة بقوة في معظم القصص، وأذكر بأن الشاعر يوسف أبو لوز كتب قراءة حول هذه المجموعة بعنوان «كاتب يطعم نفسه مذاق المغامرة» وقد ركز فيها على ثيمة عمر الكاتب، وكيف أنه يكتب كتابات تفوق سنه وتجربته، وطبعا ذاك هو رأيه، ولكنني بعد ذلك رأيت بأن الشعرية لا تتولد فقط من اللغة، ولكن من الأحداث.. بمعنى آخر أن الحدث يمكن أن يكون شاعريا ولهذا بدأت في تجريب أسلوب آخر في الكتابة، وهكذا تغير أيضا في المجموعة الثالثة، إذن المسألة هي تجريب تقنيات مختلفة في الكتابة، واللغة إلى جانب الفكرة هما أساس بناء القصة.
آخر نص نشر لك في عدد نزوى حمل عنوان «ثلاث رقصات» بدا وكأنه مشاهد بصرية التقطت في مكان آخر... هل أثمر سفرك إلى استراليا إلى إنتاج نصوص جديدة؟
كان من الطبيعي أن يكون ذلك البلد البعيد، والمتقدم بمسافات عن بلدان أخرى وأن يكون بثقافته المتنوعه وثرائها تأثير علي، وقد كتبت مشاهد أثناء تواجدي وبعد عودتي ولكنها تظل كتابة هادئة وبطيئة إلى حد ما، وستتجلى ربما في نص طويل أومجموعة قصص لا أعرف متى سأنتهي منه، فأنا أحاول أن أنجح في تنظيم وقتي.
هل لك أن تحدثنا عن قصة محاكمة إحدى قصصك في المجموعة الأخيرة، وما أثر ذلك عليك، وعلى مشروع الكتابة؟
ما الذي ذكرك بالمحاكمة الآن؟ أنا لم أتحدث عن هذه الحكاية من قبل إلا في حدود ضيقة وبين الأصدقاء وعموما هي حدثت وأنتهى الأمر ولم تؤثر علي سوى بالقلق بشأن الدراسة في ذلك الوقت، وهذا الحدث محزن بالفعل وتجربة بلا مذاق، وانتهت أقصد الشكوى والمحكمة والمحامي وربما سأسردها في وقت ما وفي مناسبة أخرى، لكنها ليس لها تاثير سلبي على مشروع الكتابة.
ما أهمية وجود مدونة لأي كاتب؟ وماذا تنشر عادة في مدونتك الشخصية ؟ وهل تغنيك عن النشر الورقي؟
فكرة إنشاء مدونة كانت تلح عليّ منذ فترة طويلة لكي أنشر فيها جميع كتاباتي القصصية، حتى اكتشفت موقع بلوج سبوت التابع لجوجل لإنشاء المدونات بالمجان فأعددت مدونتي الخاصة لأنشر فيها كل ما أكتب، وما أنشره في الصحف والمجلات، وهي لا تقتصر على نص قصصي أو مقال بل حتى أنشر بعض الأعمال الفنية والحوارات أو المقالات المهمة لآخرين أعجبت بها وأحب مشاركة الآخرين في قراءتها والإطلاع عليها. المدونة في اعتقادي تعتبر وسيلة أخرى ومهمة للكاتب إلى جانب الصحف والمجلات حتى تصل إلى أكبر قدر ممكن من القراء، وهي لا تغني عن النشر الورقي ، وميزة المدونة بأنه لا يوجد عليها رقيب، وتكون من مسؤولية المدون نفسه، تعتبر توثيق إلكتروني لكل الكتابات ومتوفر لدى جميع المهتمين من مستخدمي الإنترنت.
ذات مرة تساءلت في أحد المقالات التي نشرت لك في شرفات: «هل للكاتب العماني قيمة في بلده؟ وما هي نظرة المجتمع تجاهه؟»، ونحن نسألك: هل عثرت على إجابة لهذا السؤال؟
باختصار كلما ازداد تقدير البلد والمجتمع لإبداع الكاتب تزداد قيمته، وبالتالي يزداد إنتاجه، وبالتالي أيضا ترتفع قيمة البلد.
• بماذا يحلم يحيى المنذري الآن ؟
أتمنى أن أعيش في هدوء وسلام مع جميع الأخيار من الناس في ظل قوانين وحقوق واضحة، وأتمنى أن لا ينقطع عطائي في مجال الكتابة أيا كان نوعها، كما أتمنى وجود حرية تعبير أوسع ووجود احترام وتبجيل وتكريم لجميع المبدعين في مختلف المجالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق