الاثنين، 28 سبتمبر 2009

وعاظ السلاطين

مقتطفات من كتاب ((وعاظ السلاطين)) للدكتور علي الوردي .. من منشورات الملتقى-الطبعة الثانية 2003

- (( إستطاع فرويد أن يرجع كثيرا من ظواهر الحمق والهستيريا وارتباك الأعصاب إلى التصادم الذي يحدث في داخل النفس بين مباديء الانسان الخلقية وما يهفو إليه فؤاده من شهوات.))

- ((من خصائص البشرية أنها شديدة التأثر بما يوحي العرف الاجتماعي إليها من قيم واعتبارات فالإنسان يود أن يظهر بين الناس بالمظهر الذي يروق في أعينهم. فإذا احترم الناس صفة معينة ترى الفرد يحاول شتى المحاولات للاتصاف بتلك الصفة وللتباهي بها والتنافس عليها. وشر المجتمعات هو ذلك المجتمع الذي يحترم طريقا معينا في الحياة في الوقت الذي ينصح الواعظون فيه باتباع طريق آخر معاكس له. وفي هذا المجتمع ذي الوجهين ينمو الصراع النفسي لدى بعض الأفراد، وقد يلجأ كثير منهم إلى حياة الانعزال أو الرهبنة. إنهم لا يستطيعون أن يوفقوا في أنفسهم بين تينك الدافعين المتناقضين، ولذا نراهم طلقوا الدنيا وذهبوا إلى صوامعهم وأبراجهم. أما الباقون من الناس، من الذين لا يستطيعون الاعتزال، فنراهم يلجأون، في سبيل التوفيق بين مباديء الوعظ وقيم المجتمع، إلى حيلة أخرى-هي ما نسميها بازدواج الشخصية. فنجدهم آنذاك قد تقمصوا شخصيتين مختلفتين. إحداهما تصغي لما ينصح به الواعضون ثم تتشدق به، والأخرى تندفع وراء ما يروق في أعين الناس.))

- ((.. إن العرب مصابون بداء إزدواج الشخصية أكثر من غيرهم. ولعل السبب في ذلك ناشيء عن كونهم وقعوا أثناء تطورهم الضاري تحت تأثير عاملين متناقضين: هما البداوة والاسلام. فهم في بدء أمرهم بدو، ثم جاءهم الإسلام بعد ذلك يحمل من التعاليم ما يخالف قيم البداوة. إن قيم البداوة تحرض على الكبرياء وحب الرئاسة وتفتخر بالنسب، أما الإسلام فهو دين الخضوع والتقوى والعدالة وما أشبه. ولعلي لا أبالغ إذا قلت بأن العربي بدوي في عقله الباطن، مسلم في عقله الظاهر. فهو يمجد القوة والفخار والتعالي في أفعاله بينما هو في اقواله يعظ الناس بتقوى الله وبالمساواة بين الناس.))
- ((إن الدين والدولة من طبيعة متفاوتة. ولا يمكن أن يتلاءما. فالدولة تقوم عادة على أساس القهر والتسلط والاستغلال، بينما يقوم الدين على أساس الرحمة والعدل والمساواة. قد يحدث في بعض الظروف النادرة أن يتلاءم الدين والدولة، ولكن هذا التلاؤم مؤقت لا يلبث أن يزول. إن جمع الدين والدولة في جهاز واحد شبيه بجمع الماء والنار معا. حاول العباسيون أن يلائموا بين الدين والدولة فلم يوفقوا في هذا السبيل إلا ظاهرا. إنهم قربوا الفقهاء وأهل الحديث وأجزلوا لهم العطاء وتظاهروا لهم بالخشوع واستمعوا إلى مواعظهم. والواقع إنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا أكثر من هذا. ففي حياتهم العملية كانوا يسيرون كغيرهم من الملوك في ضوء ما تمليه عليهم الظروف مساومة وقسر واستغلال.
يقول البروفسور فيليب حول قيام الدولة العباسية:"وفي الواقع أن التغير الديني كان ظاهريا أكثر منه حقيقيا. لقد كان الخليفة البغدادي بخلاف سلفه الأموي يتظاهر بالتقوى ويدعي التدين. ولكنه كان مع ذلك ذا اتجاه دنيوي مثل سلفه الشامي..".
لقد كان الخليفة الأموي بدويا صريحا يعمل ما يشاء مادامت القوة بيده. وكان يتبع في ذلك سنة الصحراء التي تقول إن الحلال ما حل باليد، وأن الحق بالسيف. ولذا وجدناهم تركوا أهل التقوى في أبراجهم العاجية يتحذلقون كما يشتهون. أما الخليفة العباسي فأخذ يتبع طريق الازدواج. إذا جاء وقت الموعظة بكى، وإذا جاء وقت السياسة طغى. فهو وقت الموعظة من أشد الناس خشوعا وتعففا وزهدا. أما حين يجلس إلى الديوان ينظر في أمر الخراج وتعيين الولاة وشراء الجواري فهو لا يختلف عن جالوت أو نيرون في شيء. ))

هناك تعليقان (2):

  1. مساء الألق ..

    متابعة روائعك باهتمام كبير ،

    مع عميق تقديري ..

    ليلى البلوشي

    ردحذف
  2. شكرا ليلى، وأنا أيضا متواصل مع مدونتك الجميلة

    ردحذف