الأربعاء، 6 يوليو 2011

لغة الأشياء / ... ويظل الجميع تحت سيطرة الشمس!

باسمة العنزي

«الآن...
جميع الأشياء تحت سيطرة الشمس
هناك سيارات تلتهم الشارع بقسوة... ورجل أعرج متردد
هناك شارع عريض أسود... ورصيف حارق حزين
ويظل الجميع تحت سيطرة الشمس».
ما أن انهيت قراءة قصة «حبات البرتقال المنتقاة بدقة» للقاص العماني يحيى المنذري، حتى تأكدت أن لبعض النصوص وقعا خاصا على المتلقي قد لا يتوقعه الكاتب، هذه القصة الكونية المكتوبة بحرفنة عام 1992 والمنشورة ضمن مجموعته الأولى «نافذتان لذلك البحر» لقيت من الانتشار والصدى ما جعلها من أجمل القصص التى كتبت في تاريخ القصة العمانية.
كتبها القاص بعد رؤيته لرجل أعرج يعبر الشارع،المشهد كان له تأثيره الى درجة أنه حوله الى قصة قصيرة بتقنية الرصد السينمائي.القصة/ المشهد لا يتعدى الخمس دقائق، ما أعطى تكثيفا متمكنا وانسيابية زمنية ماهرة بين الماضي والحاضر والمستقبل.
النص تناول مأزق الرجل الأعرج الذي يحاول عبور الشارع نحو منزله في يوم حار برفقة حبات البرتقال، التي اشتراها للتو وانتقاها بعناية لابنائه، لكن حركة السيارات لا تهدأ ولا أحد مستعد للوقوف من أجل رجل متعب من حرارة الشمس، وراغب في الوصول الى منزله بسلام. انتظاره القسري يحيلة لذكريات بعيدة واصابة قديمة في حادث تحول الى عرج.
«الشمس تغرز أشعتها في رأسه ورقبته، عرقه يسيل، عيناه تحرقانه، يداري لهيب الشمس بوضع كف يده على جبينه، وصارت يده مظلة عاجزة بينما الرصيف حارق حزين».
كمتلقية لهذا النص الذي ابهرني منذ القراءة الأولى- وجدت حضورا لقسوة حضارة الاسمنت وعزلة الفرد في عالم مادي، وطرح اشكالية الانسان البسيط الذي يحاول باجتهاده الوصول لهدفه أو حلمه- خصوصا أن البرتقال عند بعض الحضارات رمز للسعادة- ورغم ما في الطريق من معوقات وقسوة ينتظر وعينه على المستقبل حيث الرصيف الآخر والخطوة التالية.
الانتظار هنا حالة استنزاف متواصلة وما أن تحين اللحظة المنتظرة ويندفع البطل لعبوره المرتقب للخروج من عنق زجاجة الحيرة، حتى يكتشف نسيانه لكيس البرتقال أو سعادته على الرصيف الحارق. السعادة التي أمضى وقتا في انتقاء تفاصيلها كي يقدمها لنفسه ولامتداده من الابناء دفعها ثمنا للوصول، الرحلة القاسية كانت جزءا من الصورة الكبيرة لحيواتنا، وما الرصيف والشمس والأطفال و السيارات المسرعة وحبات البرتقال الشهية سوى تفاصيل أيامنا بشكل أو بآخر.
العنوان جذاب و يحث الخطى للوصول لما وراءه، شخصية البطل مكافحة وبسيطة، نجح الكاتب في استثارة تعاطف المتلقي دون أن يكون للبطل كاريزما خاصة. واللغة تخلصت من الفائض ولم تعمد للشعرية المفرطة، استخدمها القاص بذكاء فعبرت عن الجو النفسي للبطل وما يحيط به في زمن مختزل.
للقاص ثلاث مجموعات قصصية لكن ظلت هذه القصة هي الأشهر والأكثر تداولا رغم أنها من بداياته ولا أعرف ان كان ذلك من حسن حظ الكاتب أم العكس؟!




ملاحظة: نشرت القراءة في جريدة الراي الكويتية ، يوم الأربعاء، بتاريخ 07يوليو2011،العدد11692

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق