الأربعاء، 3 أغسطس 2011

يحيى المنذري: قصة قصيرة قد تفعل فعل الإبداع والمتعة والجمال أكثر من خمس روايات !

حوار نشر في ملحق نون-تاريخ 01 أغسطس 2011


عبر أربع مجاميع قصصية ، وكتابة تتجاوز العشرين عاما استطاع يحيى سلام المنذري أن يسجل حضوره البارز في المشهد القصصي العماني .. صدرت مجموعته القصصية “نافذتان لذلك البحر ” عام 1993 حينما كان لا يزال طالبا بجامعة السلطان قابوس .. ثم أصدر بعدها “رماد اللوحة” ( دار المدى دمشق .. 1999 ) و”بيت وحيد في الصحراء” ضمن سلسلة كتاب مجلة نزوى مسقط 2003.. هذا الحوار يأتي بمناسبة آخر اصدارات المنذري وهي مجموعته القصصية “الطيور الزجاجية” ( دمشق 2011 ) التي احتفى بها النادي الثقافي مؤخرا .. سنلحظ من هذا الحوار أن المنذري متقشف في إجاباته ، ربما لأنه يؤمن أن النص وحده هو الدليل على الكاتب :

“· “تشيُّؤ الإنسان هو لعنةُ الحضارة” ، هذِه الفِكرة انطلقت منها معظم نُصوص مجموعتك الأخيرة “الطُّيور الزُّجاجيّة” ..في زمنٍ مُتسارِع تغرّب فيها الإنسان عن ذاتِه برأيِك كيف يُمكن للأدب أن يرُد الإنسان لإنسانيّته ؟

لا أعرف إن كانت وجهة نظرك صحيحة بشأن وجود فكرة تشيؤ الإنسان في معظم نصوص المجموعة، إلا أنني أحترم هذا التفسير وأجد بأن النصوص قابلة لتأويلات مختلفة، وهذا يعني وإن كانت موجودة فإنني لم أتقصد طرحها. أما بشأن السؤال فهل تقصدين الإنسان كمتلقي للأدب وأن للأدب دور في أنسنة الإنسان؟ أم أن الإنسان كمحور أو كموضوع في الأدب؟

في حالة المقصد الأول، فمن وجهة نظري، الأدب أحد العوامل التي تنظم وترتب فكر ورؤية الإنسان تجاه حياته وإنسانيته، بحيث يشعل لديه ضوء ولو بسيط من الوعي والمعرفة بالأمور المخفية في هذه الحياة، فالأدب بما فيه من إبداع وخيال ورؤى وفلسفة وعرض سلوكيات وأفكار وخواطر الناس بشتى الطرق، كل ذلك من شأنه حقن الإنسان المتلقي بجرعات من حب الحياة والناس والخير.

أما المقصد الثاني، فالإنسان عندما يتعامل معه الأدب كمادة أو كمحور..فإن ذلك يعكس تارة صورته الحقيقية في الحياة سواء كان لجوانبه الإنسانية أو الحيوانية أو اي صفة أخرى له..وتارة أخرى صورة متخيلة..أو حلم يتكون ويظل في الورق.

•“بالطّبعِ ذلِكَ ما يودُّ يحيى اضاءته لنا ، وقولِه أن التفتوا إلى أعماقِكم تجدوا حقّا ما هو مُخيف ومُقزِّز” …هذا ما قالهُ سماء عيسى في قراءتِه لمجموعتِك ..أيكونُ إنسان هذا العصر ” طيرٌ من زُجاج” حقّا…؟
أتفق مع عبارة ومقصد الشاعر سماء عيسى، وهذا يقودنا إلى استكمال الفكرة لسؤالك الأول، حيث بإمكان الأدب الكشف عن خبايا الإنسان إن هو تحقق عن المدفون في أعماقه ويبدأ في الالتفات لخيره وشره، ويبدأ في التفكير والتأمل في نفسه، وهكذا، أما عن الطير الزجاجي فهو ربما يكون رمزا للإنسان الذي ما أن ينطلق كالطير بدون قيود بسبب ما يملكه من سلطة أو نفوذ حتى يؤذي من حوله ..وفي نفس الوقت هو زجاجي الصفات كأن يكون هشا وقابلا للكسر ومكشوف النوايا.. إلا أنه يطير ويخترق الحياة. بالمناسبة هذا أحد تفاسيري.

•“للمدينةِ” في أغلبِ الكِتابات العُمانيّة صورةُ “سافِرة” لكأنّها الإغواءُ الحقيقيُّ .. أهي مدينةٌ تُشعُّ “زُجاجا” فتُحوِّلُ إنسانيّة من يأتيها إلى زُجاج ، أم أنّ قاصِديها “طيورٌ زُجاجيّةٌ” بالأصلِ…؟
للزجاج أهمية ودور كبير في حياة الإنسان وله استخدامات كثيرة، كما أن له صفات عديدة ومنها قابليته للكسر والتحطيم وهذا يعتمد على مدى قوته وصلابته، وعند حدوث كسر ما يتحول إلى شيء مؤذ، وعندما تتحول الطيور إلى زجاج أو التفسير الآخر وهو الإنسان من يتحول إلى طير زجاجي ..بالتالي هو من يقضي على المدينة المبنية معظمها من زجاج..فيحدث التكسير الرمزي.

•“يوم واحِد يتلألأ في عينيّ” ، و ” من جِدارٍ أبيضٍ إلى جِدارٍ أسود”.. يُعدّانِ من نُصوصِ التّجرُبة ، إذ كتبتها إثر حادِثٍ وضعكَ بين الحياةِ والموت ،فإلى أيِّ مدىً يُمكنُ للتّجرُبةِ الواقعيّة ولادة نصٍّ جيِّدٍ..؟
هذا أيضا من تفسيرات قراءة الشاعر سماء عيسى ، لكن في الحقيقة النص الأول (يوم واحد يتلألأ في عيني) هو الذي له علاقة بتجربة حادثة السقوط ، أما النص الثاني فليس له علاقة وقد كتبته منذ فترة طويلة قبل الحادثة، والتجربة الواقعية للكاتب لها إرتباط قوي بولادة نص إذا ما أتقن كتابته، ومعظم الكتابات الجيدة كانت نتاج تجارب عايشها الكتاب، وتنعكس في كتاباتهم بطرق مباشرة وغير مباشرة، وفي إعتقادي تكون أكثر صدقا من الكتابات التي لم يعايشها الكاتب.

•“فمهُ المليء بالشّعر يمنعهُ من الصُّراخ ” جُملة مُقتبسة من أولى قِصص المجموعة، و ” في وكرِ الحلّاقين يصطدِمُ بالرّقابةِ الصّارِمةِ والمتطفِّلين” جُملة من آخر نصٍّ في المجموعة …ربط بينهما خالِد الحريب في قِراءتِهِ لمجموعتِك إذ يقول : ” لتُصبِح المِسافة بين فمهِ في بدايةِ النّصِّ وما بداخِلِ جمجمتِهِ في نهايةِ النّصِّ هي الشُّغل الشّاغِل ليحيى سلام المنذري” ..يتفنّن النُّقاد والقُرّاء المُتمكِّنون في تحليلِ النُّصوصِ وإعادةِ تركيبها ، إلى درجة في بعضِ الأحيان لا يقصدها الكاتِب نفسه..في رأيك إلى أي مدى تجد في القِراءات مُلامسة شفيفة لمجموعاتِك ، واِقترابا كنتَ تقصدهُ حقّا غير ما أضفاهُ وحي كاتِب القِراءات وثقافتِه؟
أنا أفضل دائما القراءة المخالفة عما كنت أقصده، لأنني أشعر بأن النص قابل لعدة تفاسير، أي أنه نص غير جامد وغير مباشر، بل يمد المتلقي بأفكار مختلفة ويجعله يتأمل ويفسر، وهذا بالمناسبة شيء ممتع سواء للقاريء أو حتى للكاتب حينما تصله الآراء أو القراءات لنصوصه. وكما تفضلت وأشرت إلى أن النقاد والقراء المتمكنون هم من يقدر على عملية تحليل النص وإعادة تركيبه، وبالنسبة للقراءات التي جرت لمجموعاتي القصصية خلال السنوات الماضية فمعظمها كانت قراءات جديدة للنصوص وبعضها لامس ما كنت أقصده.

•بعضُ الكُتّابِ يُجفِّف اللُّغة إلى حدّها الأدنى ، وفي الوقتِ ذاتِه فإنّه يكثِّفها بأقلِّ الكلماتِ وأبلغِها ، وهو بذلِك يمنحُ القارئ أُفقا أوسع لصُنعِ حكاياه الخاصّة داخِل تِلك النُّصوص ، كما أنّهُ بتلك الطّريقةِ يُحافظُ على الرّمزِ الشّفيفِ الأبعد والأعمق من كلِّ الكلمات…وأنتَ في بعضِ عناوينِ نصوصِك ، وبعضُ الجُملِ اختزلت الكثير..هل تظُن أنّ الكاتِب يعمد بالفِعل لذلِك .. أم أنّ الأمر محضّ وحي..؟..ومن خِلالِ اطّلاعِك على إنتاجاتِ العُمانيين هل ثمّة من قاربَ تِلك الصُّورة أكثر من غيرِه…؟
كل ذلك يأتي بعد تجارب عديدة من كتابة النصوص..من كتاب يحرصون على تطوير أدواتهم وأساليبهم في الكتابة، إضافة إلى تطوير اللغة بكل ما تحتويه من معاني وكلمات وإستعارات ورموز وغيرها.

هو أمر في غاية الصعوبة أعني التحكم في اللغة وأساليب كتابتها المتعددة، والكاتب الذي يستطيع الاختزال والتكثيف في اللغة ينجح في استخدامها وهي أول أداة من أدوات الكتابة.. لأن هناك الحكاية والشخوص والأماكن والخيال وإلى آخر العناصر المكونة للقصة. وأنتِ على علم ربما بأن معظم كتاب العمانيين خلال التسعينيات تبنوا اللغة الشعرية في كتابة نصوصهم وفي معظم الأحوال كانت تسيطر على الحكاية والحدث، فاللغة إما أن تكون عامل جذب وتشويق أو تكون عامل منفر. وهناك الكثير من الكتاب العمانيين يتقنون وبذكاء توظيف اللغة بشكل جميل ورائع، والعكس أيضا موجود فنجد كتاب يقدمون لغة منفرة وفي بعض الأحيان تكون ركيكة وغير مترابطة، ومع الأسف أيضا هي منشورة في كتب.

•مجموعاتك القصصيّة حظيت باهتمام الكثير من النُّقّاد والقُرّاء المتمكِّنين..من خِلالِ مُتابعتِك للمشهدِ الثّقافي العُماني هل ترى حركة نقدية جادّة تُعلي من شأنِ الأدبِ بعيدا عن المُجاملاتِ الشّخصيّة …؟
أرجع إلى أحد الأسئلة السابقة والتي تتعلق بموضوع الناقد أو القاريء أو أي مبدع حينما يقدم قراءة تحليلية لنص ما أو يقوم بإعادة تركيب النص، وأنا في رأيي أن هذا مهم جدا ولا يحدث إلا لنص مبدع، ويحدث من شخص معجب بالنص ووجده مادة شيقة وجميلة ومهمة للتحليل والقراءة. والقراءات النقدية أو التحليلية إن صحت التسمية يجب أن تكون مبدعة ولا تقل أهمية عن النص المقروء، بحيث تقدم المعرفة والمتعة والتشويق، ومع الأسف هذا نادر الحدوث في المشهد الثقافي في عمان..معظم القراءات إما تنصب في المجاملات والتهويمات والتقيد بقوالب جاهزة في النقد أو أن تكون صارمة وجارحة.

•في القلعةِ الثّانية “دراسة نقديّة في القصّةِ العُمانيّة القصيرة” ، للدُّكتور ضياء خضير ، يقول في موضوعِهِ “يحيى سلام المنذري : عُزلةُ الذّاتِ والعُقدِ الموروثةِ من عالمِ الطُّفولة” : “… الشرط الأولي الموجود في هذا النوع من الحكي هو انتساب الأشياء واللغة إلى التمثيل. وهو تمثيل وظيفته الأساسية تقريب الأشياء من الكلمات، ثم الانتقال من الأشياء إلى الكلمات وحدها… …وهو ما يشير إلى استمرار قصور الوعي وتبعية الموضوع للذات.”
لو أخذنا المُقتبس أعلاه بعموميّتهِ ،وعند مُتابعة بعض قِصصِك نرى بالفِعل في بعضِها سيطرة عالم الطُّفولة ، الأطفال ، الدّم ، القلق عليها …هل يُشكِّل الحنين للطّفولة ، والعودة لبساطةِ الحياةِ من جِهة ، والقلق من نحرِ البراءةِ ، والوحشيّة من جِهة أُخرى ..هاجِسا مُلحّا ليحيى المنذري يُجبرهُ على الكِتابةِ وعدمِ الانفلاتِ من مداراتِ تِلك الهواجِس..؟

لا أعتقد بوجود كاتب لم يتأثر بعوالم طفولته، لأنها هي مؤسس حياته كلها.. وكلامك صحيح وتفسيرك مهم، فأنا فعلا طفولتي تسيطر علي وعلى كتابتي ، وتعبيرك بأن هناك “قلق من نحر البراءة” تعبير في محله، فالطفولة هي البراءة، والطفولة رحلت فماذا بقى؟ ولكن لا أرى أي عيب في موضوع وجود الذات في الكتابة ..لأنني ألاحظ هذه النغمة تتكرر عند البعض وكأنها نقيصة أو تهمة..وكيف ينفصل الكاتب عن ذاته..كل الأمر يتعلق بكيفية توظيف الكاتب لها بأسلوب أو آخر.

يتساءَل بعض النُّقّاد لم يدور الأدب العُماني في فلكِ الذّاتيّةِ والسّوداويّة..إذ يروا أنّ أغلبهُ ذو توجُّهِ رومانسي لُغةً وموضوعا من خِلالِ الانجرارِ للطُّفولةِ..الماضي..القرية .. الذّات ، فيما يُلحُّ عليّ تساؤلٌ آخر لمَ لا يُوجِدُ القاص حُلولا سرديّة في خضمِّ سردِهِ للقِصص ، إذ أنّه غالِبا ما يكتُبُ المُشكلات وينقُلها بطريقةٍ إبداعيّة تنمُّ عن فِكرٍ يُمكن لهُ أن يوجِد عِلاجا وإن كان خارِج سياقِ المألوف.. لمَ يعمدُ القاص “غالِبا” للنّهايات المألوفةِ .. أو يوقِفُ السّرد بتقنيّة حُسن التّخلُّص كـ ” أفقتُ من النّومِ” ، “لم يكُن إلّا كابوسا”…أو “..ومضى..”..؟
نعود إلى تعميم النقاد ومحاربتهم للذاتية في الكتابة..وأقول مرة أخرى مهما حاول الكاتب أن ينفصل عن ذاته أو عن طفولته فإنه لا يستطيع ، وحتى وإن حاول طرح كتابات بعيدة عن ذاته نجدها مختبئة بشكل ما في الشخصيات التي خلقها ويحركها كيفما يرى ويقتنع. أما السوداوية فهي ليست موجودة في الكتابات العمانية فقط فنجدها في معظم الكتابات العربية وتختلف طرق عرضها..وربما هي موجودة بشكل عام عند العرب بسبب أوضاعهم الإجتماعية والسياسية والاقتصادية المتشابهة. أما بشأن الشق الثاني من السؤال، فإن الكاتب الذي يسعى دائما إلى تطوير أدواته الكتابية نجده يطرح الحلول السردية (حسب تعبيرك)..ويسعى إلى التجريب المستمر ويهتم بغير المألوف ، ومن جهة الأدب فلا نريد حصره في تقديم مشكلات ونقلها بطريقة إبداعية فالأدب ليس مهمته عرض المشكلات ..الأدب وسيلة تعبير فنية قوية لها فعل السحر في الإنسان تنتشله من جهل الأدب وترسله إلى قمره المشع.. تكشف له عن خبايا وأسرار الحياة ..تنير له دروب جديدة ولا تنسيه دروبه القديمه. وفي نفس الوقت لا أريد أن أحول الأدب إلى “روشتة” علاج..لأن الأدب ليس منهجا تربويا أو طريقة أبوية لإعطاء النصائح والإرشادات. أما بالنسبة للنهايات المألوفة التي يعمد لها القاص فهناك العديد من الكتابات العمانية تخلصت منها..وطالما تبنى القاص التجريب والمغامرة الكتابية نجده يبتعد عن النهايات المألوفة..يبتعد عنها..بعيدا..

•يحدُث أن يتم تسليط الضّوء على نصٍ ما ، فيبرُز دون غيرِهِ ..أغلب الحوارات الّتي أُجريت معك كان التّركيز على هذا النّص كبيرا جدّا ، وفي إحداها سُئِلتَ عن “حبّاتُ البُرتقالِ المنتقاةِ بدقّةٍ” وسرِّ الاهتمام بِه من قِبل المُهتمِّين ، فكان جوابُك فيما معناهُ أنّك لا تُدرِك لم حاز هو دون غيرِه بذلِك الاهتمام .. في رأيِكَ هل يؤثِّر ذلِك على عِلاقة الكاتِب بنصِّه.. هل يُقرِّب رأيٌّ أو اهتمام نصٌّ_ في نظرِ كاتِبه بسيط _لنفسِ الكاتِب ، أو هل يستطيع رأيٌّ ما فِعل العكس..؟
هذا لا يؤثر أبدا على علاقتي بالنص.. وقصة حبات البرتقال كانت ضمن مجموعتي الأولى ..ودعيني أقول ضمن أوائل مغامراتي الجميلة في الكتابة والنشر.. وكنت أعتبر هذه القصة في ذاك الوقت من القصص البسيطة مقارنة بقصص أخرى -في نفس المجموعة- موغلة في الفنتازيا والخيال، ولكنها فاجأتني بشيء آخر ..والآن أجدها من أفضل قصص المجموعة، ولكن .. ومن خلال تجربتي في الكتابة..حينما أنشر قصة ورغم قناعتي بنشرها إلا انني أظل قلقا من ردة فعل القراء..وقد لا أتنبأ بشكل صحيح بما تفعله في نفوسهم بعد أن يقرأوها..وعموما آراء القراء متباينة ووجهات نظرهم مختلفة..فالقصة التي تبدو جيدة من وجهة نظر أحدهم قد لا تكون بنفس الرأي من آخرين.

عدنما نتأمّل العوالِم القصصيّة ليحيى المنذري تطلُّ هلينا كلمات : طِفل ، سرير ، طيور ، زُجاج ، باب مُغلق..إنسان مُعدم ..هل تؤمن بمقولة أن الكاتب تلحُّ عليه دائما نفس العوالم فيعيد كتابتها بطرق مختلفة من عمل أدبي الى آخر؟
قصص البشر والكائنات الحية وغير الحية تتشابه من مكان إلى مكان..ومن زمان إلى زمان..قصص غريبة نسمع عنها في عمان وربما نسمع شبيها لها في أمريكا..الإنسان هو الإنسان..يختلف عن غيره بمقدار المعرفة والبيئة التي يعيش فيها ..ولكن تظل سلوكياته متشابهه إلى حد كبير..وصفة الشر مثلا موجودة في كل مكان ..الفقر موجود..القتل موجود..وهكذا فليس من المستبعد قراءة نص لكاتب عماني يقترب من نص لكاتب من إستراليا..ولما لا..؟ هل إبتعدت عن سؤالك؟ عموما.. هل فعلا صحيح ما ذكرتيه من تكرار تلك الكلمات في عوالمي القصصية؟ ..بصراحة أنا لم أنتبه لذلك..وأحتاج أن أستخدم الطرق الإحصائية في ذلك..وإن كان ذلك صحيحا فلا أعتقد أنه يشكل خطرا علي..ولكن الذي لا أرغب فيه هو السقوط في فخ تكرار أسلوب السرد أو الأفكار..وهذا ما أتمنى أن لا يحدث.

•قسمت “بيت وحيد في الصحراء” إلى قسمين مختلفين تماما عن بعضهما البعض بحيث لو أن أيا منهما نُشِر في كتاب مستقل لاعتبر مجموعة بحد ذاتها .. كما أنك قسمتَ “الطيور الزجاجية” إلى ثلاثة أقسام .. لماذا تلجأ لمثل هذه التقسيمات ؟
نعم في مجموعة “بيت وحيد في الصحراء” نستطيع القول بأن القسمين مختلفين وقابلين للنشر في كتابين منفصلين .. وقد حاولت قبل نشر المجموعه أن اجتهد وأوسع القسم الثاني وأنشره منفصلا .. ولكنني فشلت في ذلك ولم استطع فارتأيت نشره مع الجزء الأول في كتاب واحد ، ولكن في المجموعة الأخيرة فإن الثلاثة أقسام كانت متصلة ومنفصلة في آن..يجمعهم رابط ربما يكون مخفي وسري وربما مكشوف..وهذا التقسيم كان تقنية قصدتها..فأنا انتظر أحد القراء أن يقوم بعملية الربط..أو أن يقول مثلا هذه القصص في هذا الكتاب كانت من الممكن أن تكون مشروع رواية .. أو لا يقول ذلك.. ولا يشعر بذلك ..بل يقول قصص منفصلة وليس لها رابط .. ولكن نعم..لاحظت وأيضا من خلال ملاحظات بعض القراء بأن ثلاث من مجموعاتي القصصية تحتوي على أقسام .. أظن عدا مجموعة رماد اللوحة.

•هل أثرت القضية التي رفعت عليك بسبب قصة “بيت وحيد في الصحراء” على رقيبك الداخلي فيما كتبتَه بعدها من قصص ؟
لا طبعا لم تؤثر على كتاباتي اللاحقة..وتلك القضية كانت سوء فهم من العائلة التي ظنت أنها المقصودة في النص..وهذا غير صحيح..وكما ذكرت آنفا بأن القصص تتشابه..والأشخاص يتشابهون..والأماكن أيضا ..وقد يجد القاريء شبيه له في قصة أو رواية وهو لا يعرف الكاتب ولم يلتقي به.

•“رماد اللوحة” بطلها رسام فقير معدم يرسم ظالميه ليمزقهم على الورق ، وقصة”من جدار أبيض الى جدار أسود” كتبتها بطريقة المشاهد السينمائية .. برأيك تداخل الفنون الابداعية هل يثري النص أم يشتته ؟
من المهم توظيف فنون أخرى في كتابة القصة أو الرواية أو الشعر..وهذا يثري النص ويزيده تشويقا ويوسع من معانيه ويعمق أبعاده..وكل ذلك يعتمد على مدى براعة الكاتب ..وعلى التوظيف الصحيح والمنطقي لهذه الفنون.. وأن لا يكون هذا التوظيف شكلي بدون روح وصدق..وغالبا ما نجد ذلك بدون تخطيط وبدون وعي..فمثلا ينساب فن المسرح ويدخل في القصة ويغنيها بحواراته التمثيلية..وهكذا فن السينما أو الفن التشكيلي.

•كثير من مجايليك من القاصِّين العمانيين جربوا كتابة الرِّواية ( كسالم آل تويه ومحمود الرّحبي ومحمد سيف الرّحبي) في حين مازلتَ أنت وبعد عشرين سنة من الكتابة تصدر مجموعات قصصيّة فقط .. ألم تُغازلك فكرة الرِّواية قط ؟ وهل تؤمن بمقولة زمن الرِّواية ؟
أقدم لهؤلاء التحية والتقدير..وبلا شك أحترم تجاربهم ..ولكن ليس بالضرورة أن أكتب رواية .. وقلت مرارا بأن كتابة الرواية ليست ترقية من عمل أدبي إلى آخر..القصة بحد ذاتها فن مستقل والرواية أيضا..إذن لماذا لا تطالبون الشاعر أو المسرحي بكتابة رواية..هل لأن القصة قصيرة ومع مرور السنوات ستكبر أو ستطول كما يقول البعض على سبيل المزاح؟ وقد طرح علي مرارا هذا السؤال ..وأسمع كآخرين عن زمن الرواية..وكان قبل ذلك زمن الشعر..ولكن ما رأيك بأن هذا الزمن هو زمن الثورات العربية أو زمن “الانترنت والفيس بوك”..وعموما أنا أعشق قراءة الرواية وأعتبرها فن صعب..وكتابتها تحتاج إلى وقت ونفس طويل..وربما حتى الآن لا أمتلك ذلك..وفي الجانب الآخر هناك بعض من كتاب الرواية يرون صعوبة في كتابة القصة القصيرة بسبب عنصر التكثيف فيها، وقد تجدين في بعض الأحيان قصة قصيرة تفعل فعل الإبداع والمتعة والجمال أكثر من خمس روايات..الموضوع في رأيي لا يقاس بطول النص أو نوعه بقدر ما يقاس من ناحية الإبداع الذي يمتلكه وتأثيره على القراء.

•جرّبتَ نقد قصص الشباب في بعض الملتقيات الأدبيّة .. ما الذي يجذبك عادة في نصٍ لكاتب/ة شاب/ة لتحكم أن هذا نصٌّ جيِّد ؟
بغض النظر عن أعمار الكتاب فالنص الجيد هو الذي يمتلك اللغة السلسة والشيقة والإسلوب السردي الممتع والمشوق..والفكرة غير المألوفة .. والأحداث المدهشة ..والنهاية غير المتوقعة .. وبعد قرائتي له يرسخ في ذهني.. وأشهق وأقول حينها: (يا سلام كم هو نص جميل..كم تمنيت كتابته).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق