يحيى سلام المنذري
أخرج من بيتي وتطأ قدماي الشارع الأسود الساخن ، وبين ضفتيه لا يوجد سوى التراب والحصى، أحاول أن أظل ماشيا في الشارع الأسود ولكن السيارات تطردني بقسوة فأشعر بحزن وأشعر بغربة ، هناك إمرأتان تمشيان بحذر شديد بجانب بعضهما في اللهيب الأسود ، وحينما تريدان تفادي سيارة قادمة تمشي واحدة منهما وراء الأخرى وكأنهما في طابور، غمغماتهما تتطاير مع الهواء الترابي وتلتصق في مؤخرة السيارة، أحس بمعاناتهما فالطقس والطريق والسيارات المتوحشة وكل من خطط لهذه الطرق يتحولون إلى كائنات مزعجة تقذف من جوفها تراب موحل باتجاهي وتجاههما وتجاه كل المشاة. الأقدام تدوس التراب ولا أحد يمشي أمام البيوت ومن يحاول المشي يتعثر بالحصى ، أما الأطفال فإما أنهم يلعبون داخل بيوتهم أو يلعبون على الشارع الأسود أو في أرض ترابية لم يستطع مالكها أن يبني عليها منزلا. من يا ترى يكره الأرصفة بهذا الشكل المريع؟ ثمة شخص لا أعرفه أو أشخاص مختلفون لا أعرفهم لا يحبون كلمة رصيف ولا يعرفون معناه وقيمته ، ولذلك هم حاقدون على مدينة بأرصفة ويتعمدون على أن تكون البيوت محاطة بخيوط سوداء ساخنة بدون حدود ملونة وبدون مساحات للأقدام.
كيف هي مدن أوروبا وأستراليا وغيرها؟ تلك المدن الخالية من التراب والغبار؟ .. مدن رزينة وجميلة بأرصفتها الملونة وبيوتها ومقاهيها ومحلاتها النظيفة، والرصيف هناك له ثقافتة واحترامه وتبجيله لأنه يعتبر ممشى للناس بعيدا عن الشارع الذي يعتبر ممشى للسيارات ، الرصيف قصيدة للمقاهي المتناثرة هنا وهناك ، الرصيف له قدسية خاصة فهو مكان للرياضة وممارسة المشي والركض والجلوس والقراءة ، الرصيف صديق البيئة بلا منازع فهو يقتل الغبار والأتربة، الرصيف من جماليات المدن ، الرصيف حق من حقوق جميع فئات الناس الأصحاء وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والنساء والأطفال والشباب، وعلى الجهات المعنية أن توفره لجميع المناطق.
ولكن لماذا لا توجد أرصفة في مدن وولايات بلادنا؟ مسقط وهي عاصمة البلد تفتقر لوجود أرصفة، عدا في بعض المناطق كشاطيء القرم ومدينة السلطان قابوس ومدينة الاعلام، أما بقية المناطق بلا أرصفة ، هناك أرصفة متناثرة بمحاذاة البحر في بعض الشواطيء وعلى الراغبين في الاستمتاع بها أن يصلوا إليها بسياراتهم، هناك الكثير من الدراسات والكتابات حول الأرصفة وثقافتها وأثرها على الناس ، البعض يطالب بعدم تهميشها والآخر يطالب بعدم السماح للشوارع -الخاصة بالسيارات- باحتلالها، ومنهم من يطالب بتوسعتها ومنهم من يخاف أن تجرد من حريتها وحركتها ودورها الثقافي وآخرين يطالبون بأن تكون صالحة لاستخدامات ذوي الاحتياجات الخاصة، ونحن نطالب بأن تكون الأرصفة بجمالياتها الثقافية متوفرة في كل مكان يوجد به بيوت وبشر. فما الذي ينقص مدننا حتى لا ترصع بالأرصفة.
نعم لا توجد أرصفة ونحتاج فعلا إليها.. نوافقك بشدةونقترح من أحد الصحفيين إجراء تحقيق صحفي حول هذا الموضوع المهم
ردحذفوأخيرا وجدتُ .. هذه المدونة ..
ردحذفشغلني عنها السفر واكتئابيات العَمل ..